المسألة الحادية عشرة ـ قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
قال علماؤنا : هذا دليل على أنّ ملك اليمين لا حقّ للوطء فيه ولا للقسم ؛ لأنّ المعنى فإن خفتم إلّا تعدلوا في القسم فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، فجعل ملك اليمين كله بمنزلة الواحدة ؛ فانتفى بذلك أن يكون لملكه حقّ في الوطء أو في القسم ، وحقّ ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكية والرفق بالرقيق.
المسألة الثانية عشرة ـ قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).
اختلف الناس في تأويله على ثلاثة أقوال :
الأول ـ ألّا يكثر عيالكم ؛ قاله الشافعى.
الثاني ـ ألّا تضلّوا ؛ قاله مجاهد.
الثالث ـ ألّا تميلوا ؛ قاله ابن عباس والناس.
وقد تكلمنا عليه في رسالة [١١١] ملجئة المتفقهين بشيء لم نر أن نختصره هاهنا :
قلنا : أعجب أصحاب الشافعى بكلامه هذا ، وقالوا : هو حجّة لمنزلة الشافعى في اللغة ، وشهرته في العربية ، والاعتراف له بالفصاحة حتى لقد قال الجويني : هو أفصح من نطق بالضاد ، مع غوصه على المعاني ، ومعرفته بالأصول ؛ واعتقدوا أنّ معنى الآية : فانكحوا واحدة إن خفتم أن يكثر عيالكم ، فذلك أقرب إلى أن تنتفى عنكم كثرة العيال.
قال الشافعى : وهذا يدلّ على أنّ نفقة المرأة على الزوج. وقال أصحابه : لو كان المراد بالعول هاهنا الميل لم تكن فيه فائدة ؛ لأنّ الميل لا يختلف بكثرة عدد النساء وقلتهنّ ، وإنما يختلف بالقيام بحقوق النساء ؛ فإنهنّ إذا كثرن تكاثرت الحقوق.
قال ابن العربي : كلّ ما قال الشافعى أو قيل عنه أو وصف به فهو كلّه جزء من مالك ، ونغبة (١) من بحره ؛ ومالك أوعى سمعا ، وأثقب فهما ، وأفصح لسانا ، وأبرع بيانا ، وأبدع وصفا ، ويدلّك على ذلك مقابلة قول بقول في كل مسألة وفصل.
والذي يكشف لك ذلك في هذه المسألة البحث عن معاني قولك «عال» لغة حتى إذا عرفته ركبت عليه معنى الآية ، وحكمت بما يصحّ به لفظا ومعنى.
__________________
(١) نغبة : جرعة ، وهي بفتح النون وضمها.