ولا تحلّ لأحد بعدي ، وإنما أحلّت لي ساعة من نهار.
والصحيح فيه القول الثاني ، وهذا إخبار من الله تعالى عن منّته على عباده ، حيث قرّر في قلوب العرب تعظيم هذا البيت ، وتأمين من لجأ إليه ؛ إجابة لدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، حين أنزل به أهله وولده ، فتوقع عليهم الاستطالة ، [٢٢] فدعا أن يكون أمنا لهم فاستجيب دعاؤه.
وأما من قال : إنه أمن من عذاب الله تعالى ، فإن الله تعالى نبّه يجعله مثابة للناس وأمنا على حجّته على خلقه ، والأمن في الآخرة لا تقام به حجّة.
وأما امتناع الحدّ فيه فقول ساقط ؛ لأن الإسلام الذي هو الأصل ، وبه اعتصم الحرم ، لا يمنع من إقامة الحدود والقصاص ؛ وأمر لا يقتضيه الأصل أخرى ألّا يقتضيه الفرع.
وأما الأمن عن القتل والقتال [فقول لا يصحّ ؛ لأنه قد كان فيه القتل والقتال] (١) بعد ذلك ويكون إلى يوم القيامة ، وإنما أخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم عن التحليل للقتال ، فلا جرم لم يكن فيها تحليل قبل ذلك اليوم ، ولا يكون لعدم النبوة إلى يوم القيامة ، وإنما أخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم عن امتناع تحليل القتال شرعا لا عن منع وجوده حسّا.
الآية الحادية والعشرون ـ قوله تعالى (٢) : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في تحقيق المقام : هو مفعل ـ بفتح العين ، من قام ، كمضرب ـ بفتح العين أيضا ، من ضرب ؛ فمن الناس من حمله على عمومه في مناسك الحج ؛ والتقدير : واتخذوا من مناسك إبراهيم في الحجّ عبادة وقدوة. والأكثر حمله على الخصوص في بعضها.
واختلفوا فيه ، فقال قوم : هو الحجر الذي جعل إبراهيم عليه رجله حين غسلت زوج إسماعيل عليهما السلام رأسه. وقد رأيت بمكة صندوقا فيه حجر ، عليه أثر قدم قد انمحى واخلولق (٣) ، فقالوا كلهم : هذا أثر قدم إبراهيم عليه السلام ، وهو موضوع بإزاء الكعبة.
وقال آخرون : هو الموضع الذي دعا إبراهيم عليه السلام فيه ربه تعالى حين استودع ذرّيته.
__________________
(١) من م.
(٢) من الآية الخامسة والعشرون بعد المائة.
(٣) اخلولق : بلى.