الآية الموفية ثلاثين ـ قوله تعالى (١) : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قال لي كثير من أشياخى : إنّ الكافر المعيّن لا يجوز لعنه ؛ لأن حاله عند الموافاة لا تعلم ، وقد شرط الله تعالى في هذه الآية في إطلاق اللعنة الموافاة على الكفر.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن أقوام بأعيانهم من الكفّار.
وفي صحيح مسلم (٢) ، عن عائشة رضى الله عنها : دخل على النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فكلّماه بشيء فأغضباه فلعنهما ؛ وإنما كان ذلك لعلمه بمآلهما.
والصحيح عندي جواز لعنه لظاهر حاله ، كجواز (٣) قتاله وقتله.
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن عمرو بن العاص هجانى ، قد علم أنى لست بشاعر فالعنه ، اللهم واهجه عدد ما هجانى ، فلعنه. وقد كان إلى الإسلام والدين والإيمان مآله ، وانتصف بقوله : «عدد ما هجانى». ولم يزد ليعلّم العدل والإنصاف والانتصاف ، وأضاف الهجو إلى الباري سبحانه وتعالى في باب الجزاء دون الابتداء بالوصف له بذلك ، كما يضاف إليه الاستهزاء والمكر والكيد ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وفي صحيح مسلم : لعن المؤمن كقتله. وكذلك إن كان ذمّيا يجوز إصغاره فكذلك لعنه.
(تركيب) وهي المسألة الثانية ـ فأما العاصي المعيّن ، فلا يجوز لعنه اتفاقا ، لما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء إليه بشارب خمر مرارا ، فقال بعض من حضره : ما له لعنه الله! ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم ؛ فجعل له حرمة الأخوّة ، وهذا يوجب الشفقة. وهذا حديث صحيح.
وأما لعن العاصي مطلقا ، وهي (المسألة الثالثة) فيجوز إجماعا ، لما روى في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده. وقد قال
__________________
(١) الآية الواحدة والستون بعد المائة.
(٢) صفحة ٢٠٠٧
(٣) في ق : ولجواز قتله وقتاله.