بعض علمائنا في تأويل هذه الآية : إن معناه عليهم اللعنة يوم القيامة ، كما قال تعالى (١) : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
والذي عندي صحة لعنه في الدنيا لمن وافى كافرا بظاهر الحال ، وما ذكر الله تعالى عن الكفرة من لعنتهم وكفرهم فيما بينهم حالة أخرى ، وبيان لحكم آخر وحالة واقعة تعضد جواز اللعن في الدنيا ؛ وتكون هذه الآية (٢) لجواز اللعن في الدنيا ، فيكون للآيتين معنيان.
فإن قيل : فهل تحكمون بجواز لعنة الله [٢٩] لمن كان على ظاهر الكفر ، وقد علم الله تعالى موافاته مؤمنا؟
قلنا : كذلك نقول ، ولكن لعنة الله له حكمه بجواز لعنه لعباده المؤمنين أخذا بظاهر حاله ، والله أعلم بمآله.
الآية الحادية والثلاثون ـ قوله تعالى (٣) : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فيها خمس عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (إنما) ، وهي كلمة موضوعة للحصر تتضمّن النفي والإثبات ؛ فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفى ما عداه ؛ وقد بيّنا ذلك في ملجئة المتفقهين ومسائل الخلاف.
وقد حصرت هاهنا المحرّم (٤) لا سيما وقد جاءت عقب المحلل (٥) ؛ فقال تعالى (٦) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ). فأدت هذه الآية الإباحة على الإطلاق ، ثم عقبها بالمحرم بكلمة «إنما» الحاصرة ؛ فاقتضى ذلك الإيعاب للقسمين ؛ فلا محرّم يخرج عن هذه الآية ، وهي مدنيّة ، وأكّدتها (٧) الآية الأخرى التي روى أنها نزلت بعرفة (٨) : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ...) إلى آخرها ، فاستوى البيان أولا وآخرا.
__________________
(١) سورة العنكبوت ، آية ٢٥
(٢) في ا : وتكون منها الآية بجواز.
(٣) الآية الثالثة والسبعون بعد المائة.
(٤) في م : التحريم.
(٥) في ق : التحليل.
(٦) سورة البقرة ، آية ١٧٢
(٧) في ق : وأكدها بالآية.
(٨) سورة الأنعام ، آية ١٤٥