بالضرر ، لما في (١) ذلك من النّفع الموازى له أو المربى عليه ، وحققنا أنّ المضطرّ هو المكلّف بالشيء الملجأ إليه ، المكره عليه ، ولا يتحقّق اسم المكره إلا لمن قدر على الشيء ، ومن خلق الله فيه فعلا لم يكن له عليه قدرة ، كالمرتعش والمحموم ، لا يسمّى مضطرّا ولا ملجأ ، وأشرنا إلى أنه قد يكون عند علمائنا المضطرّ ، وقد يكون [المضطر] (٢) المحتاج ، ولكن الملجأ مضطرّ حقيقة ، والمحتاج مضطر مجازا.
وقال الجبائي وابنه : إنّ المضطر هو الذي فعل فيه غيره فعلا ، وهذا تنازع يرجع إلى اللفظ ، وما ذهبنا إليه هو اللغة ، وهو المعروف عند العرب ، والمراد في كتاب الله تعالى بقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ) : أى خاف التلف ، فسماه مضطرّا ، وهو قادر على التناول.
وبرد المضطرّ في اللغة على معنيين : أحدهما مكتسب الضرر (٣) ، والثاني مكتسب دفعه ، كالإعجام يرد بمعنى الإفهام وبمعنى نفيه ، فالسلطان يضطره أى يلجئه للضرر ، والمضطر يبيع منزله ، أى يدفع الضرر الذي يلحقه بامتناعه من بيع ماله.
وكلا المعنيين موجود في مسألتنا ؛ فإنه مضطر بما أدركه من ألم الجوع ، مضطرّ (٤) بدفعه ذلك عن نفسه بتناول الميتة ؛ وهو بالمعنى الأول مشروط ، وبالمعنى الثاني مأمور.
المسألة التاسعة ـ هذا الضرر الذي بيّناه يلحق إمّا بإكراه من ظالم ، أو بجوع في (٥) مخمصة ، أو بفقر لا يجد فيه غيره ؛ فإنّ التحريم يرتفع عن ذلك بحكم الاستثناء ، ويكون مباحا ، فأما الإكراه فيبيح ذلك كله إلى آخر الإكراه.
وأما المخمصة فلا يخلو أن تكون دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها ، وإن كانت نادرة فاختلف العلماء في ذلك على قولين : أحدهما يأكل حتى يشبع ويتضلّع ، قاله مالك.
وقال غيره : يأكل على قدر (٦) سدّ الرّمق ، وبه قال ابن حبيب وابن الماجشون ؛ لأن الإباحة ضرورة فتتقدّر بقدر الضرورة.
وقد قال مالك في موطّئه الذي ألّفه بيده ، وأملاه على أصحابه ، وأقرأه وقرأه عمره كلّه (٧) :
__________________
(١) في م : لما فيه.
(٢) من م.
(٣ ـ ٤) في م : مكتسب للضرورة.
(٥) مخمصة : جوعة.
(٦) في م : بمقدار ، ويسد الرمق : أى يبقى على الحياة.
(٧) الموطأ : ٤٩٩