أجيالهم المتتابعة تتساقط أمام الموت الذي يملكه الله وحده كما يملك الحياة ، فلا يملكون له دفعا عنهم .. فإذا تحدثوا عن النبوة في تصوراتهم فإنهم ينطلقون من تصورات لا حساب لها في الفكر فهم يريدون لها أن تتمثل في مخلوقات خارج نطاق الطبيعة الإنسانية في عالم الغيب ، من دون وعي أن الغيب والشهود في خلق الله يتساويان أمام الله الذي يعطي القدرة والدور لمن شاء من دون أن يكون للمخلوق ، ملكا أو بشرا ، يد في ذلك من ناحية الإمكانات الذاتية ، لأن ذاتيتهم هي من الله.
وهكذا كانوا يسخرون ، فكانت عاقبة سخريتهم مزيدا من العواقب السيئة التي تلتقي نتائجها بمقدماتها في سلوكهم المنحرف.
وتتنوع السورة في جولة فكرية توحيدية في سعة ملك الله في الكون السماوي والأرضي وما في داخله من قوى وظواهر ومخلوقات حيّة ونامية وجامدة ، وفي تدبيره بالرزق ، فهو الرازق الذي لا رازق غيره والولي الذي لا ولي غيره الذي يملك ولاية الدنيا والآخرة فله الأمر في ذلك كله ، حياة وثوابا وعقابا من خلال القدرة كلها. وهكذا يتجسّد الحدّ الفاصل بين الرسول الداعية في كل مواقع الدعوة ، والمشركين في حركة التكذيب والتحدّي.
وتطوف السورة بالتاريخ الرسالي في معرفة أهل الكتاب بكل ملامح هذا الدين الجديد في كتابه الذي تحدّث عنه كتابهم ، ورسوله الذي بشر به موسى وعيسى عليهالسلام ، ولكن المشركين ليسوا من الناس الذين يبحثون عن الحقيقة في مصادر المعرفة وفي تأملاتهم الفكرية والروحية ، لأنهم ليسوا في الاتجاه الذي يفتح أبواب الاقتناع بالرأي الآخر ، فقد أغلقوا أسماعهم عن السماع ، وعقولهم عن التفكير.
ويستمرّون في تعسفهم العملي في مواقفهم من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي