منطقهم المتعنّت ، ولكن لا بد من أن يتحملوا مسئولياتهم في ذلك ويحملون أوزارهم على ظهورهم. ويبقى النداء الإلهي الموجه إليهم ، أن الحياة الدنيا لعب ولهو ، وأن الآخرة هي الخير كله الذي يحصل عليه الأتقياء والعقلاء.
وتنفتح السورة على قلب رسول الله لتملأه بالفرح الروحي من خلال قيامه بالرسالة الإلهية التي لا بد له من أن يصطدم في حركتها الصاعدة بالقوى المضادة من الكافرين والمشركين والمنافقين ، فلا يتعقّد من كلمة سيئة أو من إنكار أو تعسف ، أو من حصار مطبق ، أو من مشاكل متراكمة ، لأن الوصول إلى النهايات السعيدة في حركة الرسالات تفرض على الرسالي المزيد من الصبر والصمود ، ثقة بالله ، وانسجاما مع الواقع الذي يجعل للأشياء حدّا محدودا وعمرا معينا للتكامل والنموّ. وهكذا كانت السورة تتحرك في مؤانسة النبي وتثبيته بما يثبته الله به من القوة والانفتاح على آفاق الغيب التي تحمل الكثير من الأمل بالمستقبل ، فعليه أن يستمر لأنه لا يملك بديلا عن ذلك.
وتدخل السورة إلى تفاصيل التشريع في التحليل والتحريم في أكثر من موضوع ، فإذا أرادوا الطعام ، فعليهم أن لا يأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ليقفوا عند ما ذكر اسم الله عليه فلا يتجاوزوه إلى غيره ، ولذلك فلا حرية لهم في الذبح كيفما شاؤوا ، بل هي مسألة متصلة بقضية التوحيد الذي يجعل الطعام باسم الله الذي خلقه ورزقه ، لا سيما من خلال إنهاء حياة الحيوان الذي يملكه الله وحده ، وقضية الشرك الذي يجعل مسألة الذبح مربوطة بالأصنام ، وهذا ما توحي به حركة التشريع في الخط التوحيدي بارتباط كل شيء بالله ، فكما هو ـ كذلك ـ في التكوين الذي يخضع فيه الوجود لله فهو كذلك في التشريع الذي لا بد من أن يتحرك فيه الإنسان في خط الله ، ولهذا فلا مجال لهؤلاء الناس في أن يحلّلوا أو يحرّموا هذا الحيوان أو ذاك ، أو