ثمّ قال : يا إسحاق! إنّ الناس لا يريدون الدين إنّما أرادوا الرئاسة ، وطلب ذلك أقوام فلم يقدروا عليه بالدنيا فطلبوا ذلك بالدين ، ولا حرص لهم عليه ، ولا رغبة لهم فيه ؛ أما تروي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : يذاد قوم من أصحابي عن الحوض فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي. فيقال لي : إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك ورجعوا القهقرى؟!
وقد روى الحديث الذي ذكره المأمون العبّاسي البخاري ومسلم في صحيحهما في كتاب الفتن ، إضافة إلى العديد من الروايات الأُخرى عن إحداث الصحابة في الدين وتبديلهم ، والحيلولة بينهم وبين الحوض.
وروى البخاري أيضاً حول الفتوح حديثاً بسنده عن هند بنت الحارث الرواسية ، قالت : «إنّ أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله قالت : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة فزعاً يقول : سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! مَن يوقظ صواحب الحجرات ـ يريد أزواجه ـ لكي يصلّين؟ رُبّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» (١).
وقال ابن حجر : «قال ابن بطال : في هذا الحديث : في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه ، أو أن يبخل به فيمنع الحقّ ، أو يبطر صاحبه فيسرف ، فأراد صلى الله عليه وآله تحذير أزواجه من ذلك كلّه ، وكذا غيرهنّ ممّن بلغه ذلك» (٢).
ولا يخفى أنّ ذيل الحديث دالّ على سوء عاقبة بعض الأزواج ؛ فإنّ التعبير بـ : «كاسية في الدنيا» للدلالة على الشرف بالزواج منه صلى الله عليه وآله ، و : «العارية في الآخرة» كناية عن سوء المنقلب في الآخرة.
____________
(١) صحيح البخاري : كتاب الفتن ـ ب ٥ : باب ظهور الفتن.
(٢) فتح الباري ١٣ / ٢٣.