____________
هذا ما تواترت عليه التفاسير والأخبار ، ولم يقدر أحد على تحريفه ، ولكن بعضهم رأى أنّ الالتزام بهذا يعني منقصة لأبي بكر واعتراف بإمامة عليّ عليه السلام ؛ لذلك قدّموا تأويلات باهتة لهذه الحادثة لكي يرفعوا من شأنه ، ولنا وقفة قصيرة مع ماذكره الرازي في تفسيره من هذه التأويلات ..
قال الرازي في تفسيره الكبير ـ ١٥ / ٢١٨ ـ : اختلفوا في السبب الذي لأجله أمر عليّاً بقراءة هذه السورة عليهم وتبليغ هذه الرسالة إليهم ، فقالوا : السبب فيه أنّ عادة العرب أن لا يتولّى تقرير العهد ونقضه إلاّ رجل من الأقارب ، فلو تولاّه أبو بكر لجاز أن يقولوا : هذا خلاف ما نعرف فينا من نقض العهود. فربّما لم يقبلوا ، فأُزيحت علّتهم بتولية ذلك عليّاً رضى الله عنه ..
وقيل : لمّا خصّ أبا بكر بتوليته أمير القوم ، خصّ عليّاً بهذا التبليغ ؛ تطييباً للقلوب ورعايةً للجوانب ..
وقيل : قرّر أبا بكر على الموسم ، وبعث عليّاً خلفه لتبليغ هذه الرسالة ؛ حتّى يصلّي خلف أبي بكر ، ويكون ذلك جارياً مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر ، والله أعلم. انتهى كلام الرازي.
والظاهر أنّ الرازي اكتفى بنقل الأقوال ولم يردّها ؛ لوجود مأربه فيها. ولكن هذه الأقاويل لن يصدّقها الجاهل فضلاً عن العالم ؛ لوجود ردود كثيرة عليها ، فمنها :
١ ـ قولهم : أنّ عادة العرب في الجاهلية أن لا يتولّى تقرير ...
نقـول : عندما جاء رسول الله بالرسالة الاِسلامية ألغى العادات والتقاليد الجاهلية التي لا تتلائم مع الدين الاِسلامي ؛ فقد قال يوم فتح مكّة عند الكعبة : «ألا كلّ مأثرةٍ أو دمٍ أو مالٍ يدّعى فهو تحت قدميَّ هاتين ، إلاّ سدانة البيت وسقاية الحاج» ، راجع : مسند أحمد ٥ / ٤١٢ ، مصنّف عبـد الرزّاق ٩ / ٢٨٢ ح ١٧٢١٣ ؛ إذاً فكيف يصحّ منه صلى الله عليه وآله أن يلغي سُنّة ثمّ بعد ذلك يرجعها رعايةً لعادة العرب في الجاهلية.
٢ ـ قولهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل عليّاً تطييباً للقلوب ورعاية للجوانب.
نقـول : إنّه أرسله بأمرٍ من السماء ، وهذا يدلّ على أنّه مأمور من قبل الله تعالى ، هذا أوّلاً. وثانياً : إنّ الإمام عليه السلام على يقين بصحّة كلّ فعل يفعله الرسول أو قول يقوله صلّى الله عليه وآله ، فلما يتأذّى من عدم إرساله ببراءة ، ليبعثه بها ـ بعد ذلك ـ تطييباً لقلبه ورعايةً لجوانبه؟!