ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته حتّى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممّن يعرف ونشأ كثير ممّن لا يعرف ، وما عسى أن يكون الولد لو كان؟!
إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقرّبني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحـمة ، بل للجـهاد والنصـيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل مافعلت؟! وكذلك لم يكن يقرب ما قربت ، ثمّ لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة.
اللّهمّ إنّك تعلم أنّي لم أرد الاِمرة ولا علوّ الملك والرئاسة ، وإنّما أردت القيام بحدودك ، والأداء لشرعك ، ووضع الأُمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضي على منهاج نبيّك ، وإرشاد الضالّ إلى أنوار هدايتك» (١).
فهو عليه السلام يشير إلى أنّ ما دعا قريش إلى البقاء على ظاهر الاِسلام بعد مـوت النبيّ صلى الله عليه وآله هـو : أنّها لم تكن لتسـود العـرب ، فضلاً عن العجم ، إلاّ باسم نبوّة النبيّ صلى الله عليه وآله ودينه المبعوث به ، وإلاّ لأبت باقي القبائل عليها ذلك ، كما هو حال توزّع القدرة بين القبائل في الجاهلية ، وإلاّ فقريش لم تكن تذعن بقلبها لبعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وما فضّله به الله تعالى من كرامة له عليها ، كالذي حصل لجميع الأنبياء من قبله مع قومهم ، أو نظير ما حصل لعيسى عليه السلام مع قومه بني إسرائيل ؛ قال تعالى : (وإذ كففتُ بني إسرائيل عنك إذ جئتَهم بالبيّنات) (٢) ، و : (ورسولاً إلى بني إسرائيل ... فلمّا
____________
(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ الحِكم المنسوبة رقم ٤١٤.
(٢) سورة المائدة ٥ : ١١٠.