رفع بالابتداء ، والخبر (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) قال مجاهد عن ابن عباس : أي أمرهم. وروى الضحاك عنه : أي شأنهم. قال أبو جعفر : والبال في اللغة يعبّر عنه بالأمر والشأن والحال. قال محمد بن يزيد : وقد يكون للبال موضع أخر يكون بمعنى القلب. يقال : ما يخطر هذا على بالي أي على قلبي.
(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) (٣)
(ذلِكَ) في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك ، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء وما بعده خبره. ويكون ذلك إشارة إلى الإضلال والهدى. والعرب قد تشير إلى شيئين بذلك فمنهم من يقول ذانك. وسمعت أبا إسحاق يقول في قول سيبويه : ظننت ، ولم يعدها إلى مفعول أخر : إنّ ذلك إشارة إلى شيئين ، كأن قائلا قال : ظننت زيدا منطلقا ، فقال له أخر : قد ظننت ذلك.
(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) (٤)
(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) مصدر. أي فاضربوا الرقاب ضربا ، وقيل : هو على الإغراء (١) ، هذا قول الفراء. (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) أي لئلا يهربوا أو يلحقكم منهم مكروه. والإثخان المبالغة بالضرب مشتق من قولهم : شيء ثخين أي متكاثف. (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) مصدران وحذف الفعل لدلالة المصدر عليه ولأنه أمر. والفداء يمدّ ويقصر عند البصريين. وأما الفراء فحكى (٢) أنه ممدود إذا كسر أوله ومقصور إذا فتح أوله وحكي : قم فدى لك. (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أهل التفسير على أن المعنى حتّى يزول الشرك والضمير عند الفراء يحتمل معنيين : أحدهما حتّى تضع الحرب أوزارها أي آثامهم ، والمعنى الآخر أن يعود على الحرب نفسها. قال أبو جعفر : الحرب في كلام العرب مؤنّثة ، ويصغّرونها بغير هاء فيقولون : حريب ، ومثلها قوس وذود يصغّران بغير هاء سماعا من العرب (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) «ذلك» في موضع رفع أي الأمر ذلك أنه لو شاء الله لانتصر منهم ، ولكنه أراد أن يثيب المؤمنين ، وكانت الحكمة في ذلك ليقع الثواب والعقاب. وقد بيّن ذلك جلّ وعزّ بقوله : (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٥٧.
(٢) انظر المنقوص والممدود ٢٥ ، ٢٦.