تُسْمِعُ الْمَوْتى) [النمل : ٨٠]. فليس فيه مخالفة لهذا : وإنما المعنى ـ والله أعلم ـ إنك لا تسمع الموتى بقدرتك ولا بقوتك ، ولكن الله جلّ وعزّ يسمعهم كيف يشاء ويدلّ على هذا أنّ بعده (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) [النمل : ٨١] أي لست تهديهم أنت بقدرتك ولكن الله جلّ وعزّ يهدي من يشاء بلطفه وتوفيقه.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢٤)
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أي فيعملون بما فيه ويقفون على دلائله (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) أي أقفال تمنعها من ذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (٢٥)
قال أبو إسحاق : أي رجعوا بعد سماع الهدى وتبيينه إلى الكفر (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) هذه قراءة أكثر الأئمة ، وقرأ أبو عمرو والأعرج وشيبة وعاصم الجحدري وأملي لهم (١) على ما لم يسمّ فاعله ، وقرأ مجاهد وسلام ويعقوب وأملي لهم (٢) بإسكان الياء فالقراءة الأولى بمعنى وأملى الله جلّ وعزّ لهم ، والقراءة الثانية تؤول إلى هذا المعنى ؛ لأنه قد علم أنّ الله تبارك وتعالى هو الذي أملى لهم ، والقراءة الثالثة بيّنة أخبر الله جلّ وعزّ أنه يملي لهم. والكوفيون يميلون (وَأَمْلى لَهُمْ) لأن الألف منقلبة من الياء ومعنى أملى له ؛ مدّ له في العمر ولم يعاجله بالعقوبة وهو مشتق من الملاوة ، وهي القطعة من الدهر ومنه ملاك الله جلّ وعزّ نعمته وتملّ حبيبك والملوان : الليل والنهار.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) (٢٦)
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) قال أبو إسحاق : أي الأمر ذلك الإضلال فإنهم قالوا لليهود سنطيعكم في بعض الأمر أي في التضافر على عداوة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) (٣) هذه قراءة أكثر الأئمة ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي والله يعلم إسرارهم وهذا مصدر من أسرّ ، والأول جمع سرّ.
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (٢٧)
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) فيه حذف أي فكيف تكون حالهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
__________________
(١) و (٢) انظر تيسير الداني ١٦٣ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٠٠.
(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٨٣ ، وتيسير الداني ١٦٣.