هذه قراءة أكثر القراء ، وقرأ الحسن وقتادة ويزيد بن القعقاع وعاصم الجحدري (ما كَذَبَ الْفُؤادُ) (١) مشدّدا. التقدير في التخفيف ما كذب فؤاد محمد محمدا فيما راه وحذفت في كما حذفت «من» في قوله جلّ وعزّ من : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥]. لأنه مما يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف. قال أبو جعفر : وهذا شرح بيّن ولا نعلم أحدا من النحويين بيّنه ، ومن قرأ كذّب فزعم الفراء أنه يجوز أن يكون أراد صاحب الفؤاد. وأجاز أن يكون معنى «ما كذب» صدّق. والقراءة بالتخفيف أبين معنى ، وبالتشديد يبعد ؛ لأن معناها قبله وإذا قبله الفؤاد أي علمه فلا معنى للتكذيب. والقراءة بالتخفيف بيّنة أي صدقه. واختلف أهل التأويل في معنى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) فقال ابن عباس وجماعة معه : رأى ربه جلّ وعزّ قال : وخصّ الله إبراهيم صلىاللهعليهوسلم بالخلّة وموسى بالتكليم ومحمدا صلىاللهعليهوسلم بالرؤية كما جاء في الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «رأيت ربّي جلّ وعزّ فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى» (٢). والقول الأخر قول ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما أنه رأى جبرائيل على صورته وقد رفعه زرّ عن عبد الله أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيت جبرائيل على صورته له ستمائة جناح عند سدرة المنتهى» (٣) ورفعته عائشة أيضا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وردّت على ابن عباس ما قاله.
(أَفَتُمارُونَهُ عَلى (٤) ما يَرى) (١٢)
صحيحه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وابن مسعود وابن عباس ومرويّه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهي قراءة مسروق وأبي العالية ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وبها قرأ النخعي غير أن أبا حاتم حكى أنه قال : لم يماروه وإنما جحدوه قال : وفي هذا طعن على جماعة من القراء تقوم بقراءتهم الحجة منهم الحسن وشريح وأبو جعفر والأعرج وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير والعاصمان. والقول في هذا أنهما قراءتان مستفيضتان قد قرأ بهما الجامعة غير أن الأولى من ذكرناه من الصحابة. فأما أن يقال : لم يماروه فعظيم ؛ لأن الله جلّ وعزّ قد أخبر أنّهم قد جادلوا ، والجدال هو المراء ولا سيما في هذه القصة ، وقد ماروه فيها حتّى قالوا له : سرت في ليلة واحدة إلى بيت المقدس فصفه لنا ، وقالوا : لنا عير بالشام فأخبرنا خبرها ، قال محمد بن يزيد : يقال مراه بحقّه يمريه إذا دفعه به ومنعه منه ، قال و «على» بمعنى «عن». قال أبو
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٩٦.
(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير ٧ / ١٥٥ ، وذكر في مناهل الصفا (٣٢) ، ومختصر العلو للعلي الغفار ـ تحقيق الألباني ١١٩.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ١ / ٤٠٧ ، وابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٤٤.
(٤) انظر تيسير الداني ١٦٦ ، والبحر المحيط ٨ / ١٥٦.