فصاروا أجساما بلا رؤوس ، وقال بعض أهل النظر : التشبيه للحفر التي كانوا فيها قياما صارت الحفر كأنها أعجاز نخل. قال أبو جعفر : وهذا القول قول خطأ ، ولو كان كما قال كان كأنّها أو كأنّهن ، وأيضا فإنّ الحفر لم يتقدّم لها ذكر فيكنى عنها. وأيضا فالتشبيه بالقوم أولى ولا سيما وهو قول من يحتجّ بقوله.
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٢٢)
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (٢١) أي فكيف كان عذابي إيّاهم على الكفر وإنذاري إيّاكم أن ينزل بكم ما نزل بهم. قال أبو إسحاق : نذر جمع نذير.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) (٢٣)
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) (٢٣) لم يصرف ثمود : لأنه اسم للقبيلة ويجوز صرفه على أنه اسم للحيّ.
(فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٢٤)
(فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) نصبت بشرا بإضمار فعل والمعنى : أنتّبع بشرا منّا واحدا ونحن جماعة؟ (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أي في حيرة عن الطريق المستقيم وأخذ على العوج ، ولا تعمل إذن إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها. (وَسُعُرٍ) يكون جمع سعير ، ويكون مصدرا من قولهم سعر الرجل إذا طاش.
(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) (٢٥)
(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) استفهام فيه معنى التوقيف. (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) الكوفيون يقولون : «بل» لا تكون إلّا بعد نفي فيحملون مثل هذا على المعنى ؛ لأن معنى ألقي عليه الذكر لم يلق عليه.
(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) (٢٧)
(سَيَعْلَمُونَ غَداً) الأصل عند سيبويه غدو حذفت منه الواو. (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) مبتدأ وخبره في موضع نصب بسيعلمون ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ستعلمون غدا (١) وأبو عبيد يميل إلى القراءة بالياء لأن بعده (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) ولم يقل : لكم. قال أبو جعفر : التقدير لمن قرأ بالياء قال الله جلّ وعزّ : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) ، والقول يحذف كثيرا. والأصل إنّا مرسلون حذفت النون تخفيفا وأضيف فتنة
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٦٧ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦١٨ ، والبحر المحيط ٨ / ١٧٩.