لهم. قال أبو إسحاق : فتنة مفعول له ، وقال غيره : هو مصدر أي فتناهم بذلك وابتليناهم. وكان ابتلاؤهم في ذلك أنّ الناقة خرجت لهم من صخرة صماء ناقة عظيمة فآمن بعضهم وكانت لعظمها كثيرة الأكل فشكوا ذلك إلى صالح صلىاللهعليهوسلم فقالوا : قد أفنت الحشائش والأعشاب ومنعتنا من الماء ، فقال : ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسّوها بسوء ، ترد الماء يوما ، وتردون يوما فكانت هذه الفتنة. (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) أي فاصبر على ارتقابك إيّاهم ، والأصل واصتبر أبدل من التاء طاء ؛ لأن الطاء أشبه بالصاد لأنهما مطبقتان. قال أبو إسحاق : ينطبق الحنك على اللسان بهما ، قال أيضا : وهما أيضا مطبقتان في الخطّ.
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) (٢٨)
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) أي ذو قسمة مثل قولك : رجل عدل. (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) مبتدأ وخبر. أي تحضر الناقة يوما وهم يوما ، وغلّب المذكّر على المؤنّث فقيل بينهم.
(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) (٢٩)
(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) وهم التسعة الذين انفردوا لعقر الناقة فنادى ثمانية منهم قدارا ، فقالوا : هذه الناقة قد أقبلت (فَتَعاطى فَعَقَرَ) قيل : أي فتعاطى قتلها وحقيقته في اللغة فتناول الناقة فقتلها ، من قولهم عطوت إذا تناولت ، كما قال : [الطويل]
٤٤٤ ـ وتعطو برخص غير شثن كأنّه |
|
أساريع ظبي أو مساويك إسحل(١) |
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (٣٠)
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) أي عقابي إيّاهم على عصيانهم أي فاحذروا المعاصي. (وَنُذُرِ) أي إنذاري إياكم أن ينزل بكم ما نزل بهم.
(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٣١)
وهذا من التمثيل العجيب لأن الهشم ما يبس من الشجر وتهشّم فصار يحظر به بعد أن كان أخضر ناضرا أي صاروا بعد النعمة رفاتا ، وبعد البهجة حطاما كهيئة الشجر. وروي عن ابن عباس «كهشيم المحتظر» أي كالعظام المحترقة. قال أبو جعفر : وحقيقة هذا القول في اللغة كهشيم قد حظر به وأحرق : وقال ابن زيد : هو الشوك
__________________
(١) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٧ ، وجمهرة اللغة ٣٦٣ ، وشرح المفصّل ٦ / ٩٢ ، و٧ / ١٤٤ ، ولسان العرب (سرع) و (سحل) و (ششن) ، و (ظبا) ، والمنصف ٣ / ٥٨ ، وتاج العروس (سحل) ، و (ششن) ، و (ظبا).