(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) الأصل المتصدقين ثم أدغمت التاء في الصاد. وفي قراءة أبيّ إنّ المتصدقين (١) وفي قراءة ابن كثير وعاصم (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ) (٢) أي المؤمنين من التصديق ، والأول من الصدقة (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) قيل. الجنة.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٩)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) مبتدأ. (أُولئِكَ) يكون مبتدأ ثانيا ، ويجوز أن يكون بدلا من الذين ، ولا يكون نعتا لأن المبهم لا يكون نعتا لما فيه الألف واللام لا يجوز مررت بالرجل هذا ، على النعت عند أحد علمته ، ولو قلت : مررت بزيد هذا على النعت لجاز ، وخير الابتداء (الصِّدِّيقُونَ) قال أبو إسحاق : صدّيق على التكثير أي كثير التصديق ، وقال غيره : هذا خطأ لأن فعيلا لا يكون إلا من الثلاثي مثل سكّيت من سكت ، وصدّيق للكثير الصّدق. ومن هذا قيل لأبي بكر رضي الله عنه : الصّدّيق ، حتّى كان يعرف بذلك في وقت النبيّصلىاللهعليهوسلم ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «إنّ الله جلّ وعزّ سمّى أبا بكر صدّيقا». (وَالشُّهَداءُ) على هذا معطوفون على الصديقين يدلّ على صحة ذلك ما رواه بن عجلان عن زيد بن أصمّ عن البرآء عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «مؤمنو أمتي شهداء» (٣) ثم تلا (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الآية. قال أبو جعفر : فهذا القول أولى من جهة الحديث والعربية لأن الواو واو عطف فسبيل ما بعدها أن يكون داخلا فيما قبلها إلّا أن يمنع مانع من ذلك أن يكون حجّة قاطعة وقد قيل : إن التمام أولئك هم الصديقون وإن الشهداء ابتداء. وهذا يروى عن ابن عباس وهذا اختيار محمد بن جرير وزعم أنه أولى بالصواب ؛ لأن المعروف من معنى الشهداء أنه المقتول في سبيل الله جلّ وعزّ ثم استثنى فقال : إلّا أن يراد بالشهداء أنه يشهد لنفسه عند ربّه بالإيمان ، قال أبو جعفر : وإذا كان و «الشهداء» مبتدأ فخبره (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ويجوز أن يكون خبره. (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) وهذا عطف جملة على جملة والأول على خلاف هذا يكون «والشهداء» معطوفا على الصّدّيقين ويكون (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) للجميع. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) مبتدأ. (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول.
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (٢٠)
__________________
(١) و (٢) انظر تيسير الداني ١٦٩ ، ومختصر ابن خالويه ١٥٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٦٢٦.
(٣) انظر تفسير القرطبي ٢٧ / ٢٣١.