(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) «ما» كافة لأنّ عن العمل ولو جعلتها صلة لنصبت الحياة والدنيا من نعتها ، (لَعِبٌ) خبر ، والمعنى : مثل لعب أي يفرح الإنسان بحياته فيها كما يفرح باللعب ثم تزول حياته كما يزول لعبه وزينته وما يفاخر به الناس ويباهيهم به من كثرة الأموال والأولاد (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ). قال أبو إسحاق : الكاف في موضع رفع على أنها نعت أي وتفاخر مثل غيث قال : ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر. والكفّار الزرّاع. وإذا أعجب الزراع كان على نهاية من الحسن. قال : ويجوز أن يكونوا الكفار بأعيانهم ، لأن الدنيا للكفار أشدّ إعجابا ؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث قال : و «يهيج» يبتدئ في الصفرة (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) قال : متحطّما. فضرب الله جلّ وعزّ هذا مثلا للحياة الدنيا وزوالها ثمّ خبر جلّ وعزّ بما في الآخرة فقال : (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) قال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لموضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها فاقرؤوا إن شئتم» : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١).
(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢١)
(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي سابقوا بالأعمال التي توجب المغفرة إلى مغفرة من ربكم (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) قال أبو جعفر : قد تكلّم قوم من العلماء في معنى هذا فمنهم من قال : العرض هاهنا السعة ومنهم من قال : هو مثل الليل والنهار إذا ذهبا فالله جلّ وعزّ أعلم أين يذهبان ، وأجاب بهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومنهم من قال : هذه هي الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة ، والسماء مؤنثة ذكر ذلك الخليل رحمهالله وغيره من النحويين سوى الفرّاء وبذلك جاء القرآن (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] و (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] وحكى الفرّاء أنها تؤنّث وتذكّر ، وأنشد : [الوافر]
٤٦٦ ـ فلو رفع السّماء إليه قوما |
|
لحقنا بالسّماء مع السّحاب(٢) |
وهذا البيت لو كان حجّة لحمل على غير هذا ، وهو أن يكون يحمل على تذكير
__________________
(١) أخرجه أحمد في مسنده ٣ / ٤٣٣ ، والدارمي في سننه ٢ / ٣٣٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٠٧ ، وابن كثير في تفسير ٢ / ٢٥٥.
(٢) الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (سما) ، والمذكر والمؤنث للأنباري ص ٣٦٧ ، والمذكر والمؤنث للفراء ص ١٠٢ ، والمخصص ١٧ / ٢٢.