مرفوعا بالابتداء ودلّ على خبره ما بعده من الشرط والمجازاة لأنه في معناه. ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من كلّ أو بمعنى أعني. (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي الغني عن خلقه وعما ينفقونه ، الحميد إليهم بإنعامه عليهم. ومن قرأ (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١) جعل «هو» زائدة فيها معنى التوكيد أو مبتدأ ، وما بعدها خبرا ، والجملة خبر «إن».
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٥)
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) أي بالدلائل والحجج (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) أي بالأحكام والشرائع. (وَالْمِيزانَ) قال ابن زيد ، هو الميزان الذي يتعامل الناس به ، وقال قتادة : الميزان الحق (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) منصوب بلام كي ، وحقيقته أنها بدل من «أن». (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) أي للناس (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) قال ابن زيد : البأس الشديد السلاح والسيوف يقاتل الناس بها ، قال : والمنافع التي يحفر بها الأرضون والجبال. (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) معطوف على الهاء. (بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي قويّ على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة عزيز في انتقامه منه ؛ لأنه لا يمنعه منه مانع.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) إلى قومهما. (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) أي متّبع لطريق الهدى مستبصر. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي خارجون إلى الكفر والمعاصي.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٧)
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) أي أتبعنا ، ويكون الضمير يعود على الذريّة أو على نوح وإبراهيم عليهماالسلام لأن الاثنين جمع (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أي أتبعنا. (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) يروى أنه نزل جملة. (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً)
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٢٤ ، وتيسير الداني ١٦٩ ، (قرأ ابن عامر ونافع بغير هو ، والباقون بزيادة هو).