ويقال : رأفة وقد رؤف ورأف (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) نصبت رهبانية بإضمار فعل أي فابتدعوا رهبانية أي أحدثوها ، وقيل : هو معطوف على الأول. (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) قال ابن زيد : أي ما افترضناها. (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) نصب على الاستثناء الذي ليس من الأول ويجوز أن يكون بدلا من المضمر أي ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان الله (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) لفظه عام ويراد به الخاص لا نعلم في ذلك اختلافا ، ويدلّ على صحته (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وفي الذين لم يرعوها قولان : مذهب الضحّاك وقتادة أنّهم الذين ابتدعوها تهوّد منهم قوم وتنصّروا ، وهذا يروى عن أبي أمامة ، فأما الذي روي عن ابن عباس فإنهم كانوا من بعد من ابتدعها بأنهم كفار ترهّبوا ، وقالوا : نتبع من كان قبلنا ويدلّ على صحّة هذا حديث ابن مسعود عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) قال : «من آمن بي». (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) قال : من جحدني.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٨)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قال الضحّاك : من أهل الكتاب. (اتَّقُوا اللهَ) أي في ترك معاصيه وأداء فرائضه. (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) يعني حظّين ، كما روى أبو بردة عن أبيه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ، من كان من أهل الكتاب فآمن بالتوراة والإنجيل ثم آمن بالقرآن ، ورجل كانت له جارية فأدّبها فأحسن أدبها ثم تزوّجها ، وعبد نصح مولاه وأدّى فرض الله جلّ وعزّ عليه» (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) عن ابن عباس قال : القرآن واتباع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقال مجاهد : الهدى ، قال أبو إسحاق : ويقال إنه النور الذي يكون للمؤمنين يوم القيامة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أي يصفح عنكم ويستر عليكم ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ذو مغفرة ورحمة لا يعذّب من تاب.
(لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩)
لا زائدة للتوكيد ودلّ على هذا ما قبل الكلام وما بعده أي لأن يعلم ويروى عن ابن عباس أنه قرأ لأن يعلم أهل الكتاب وكذا يروى عن عاصم الجحدري وعن ابن مسعود لكي يعلم أهل الكتاب (١) وكذا عن سعيد بن جبير ، وهذه قراءات على التفسير لا يقدرون فرفعت الفعل لأن المعنى أنه لا يقدرون يدلّ على هذا أن بعده :
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٢٧ ، ومعاني الفراء ٣ / ١٣٧.