(يَظْهَرُونَ) لأن التاء أدغمت في الظاء أيضا. مّا هنّ أمّهاتهم (١) خبر «ما» شبّهت بليس ، وقال الفرّاء : بأمهاتهم فلما حذفت الباء بقي لها أثر فنصب الاسم. (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) مبتدأ وخبر ، و «إن» بمعنى «ما» (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) أي ما لا يصحّ. (وَزُوراً) قال قتادة : أي كذبا ونصبت منكرا وزورا ويقولون لو رفعته لانقلب المعنى (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) أي ذو عفو وصفح عمن تاب. (غَفُورٌ) له لا يعذّبه بعد التوبة ، وقيل هذا لأنهم كانوا يطلّقون في الجاهلية بالظّهار. قال أبو قلابة : كان الرجل في الجاهلية إذا ظاهر من امرأته فهو طلاق بتات فلا يعود إليه أبدا ، فأنزل الله عزوجل هذا.
(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٣)
قال أبو جعفر : اختلف العلماء في معنى العود فقال قوم ممن يقول بالظاهر : لا يجب عليه الكفّارة حتّى يظاهر مرة ثانية ، وحكوا ذلك عن بكير بن عبد الله بن الأشجّ ، وقال قتادة : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) هو أن يعزم بعد الظّهار على وطئها وغشيانها ، وقال بعض الفقهاء : عوده أن يمسكها ولا يطلّقها بعد الظهار فتجب عليه الكفارة ، وقال القتبيّ : هو أن يعود لما كان يقال في الجاهلية وقال أبو العالية : (لِما قالُوا) أي فيما قالوا ، وقال الفرّاء (٢) : لما قالوا وإلى ما قالوا وفيما قالوا واحد ، يريد يرجعون عن قولهم ، وقال الأخفش : فيه تقديم وتأخير أي فتحرير رقبة لما قالوا. ومن أبينها قول قتادة أي ثم يعودون إلى ما قالوا من التحريم فيحلّونه. (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أو فعليهم تحرير رقبة ، ويجوز عند النحويين البصريين فتحرير رقبة. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) من قبل أن يمسّ الرجل المرأة ، ومن قبل أن تمسّ المرأة الرجل ، وهذا عام غير أن سفيان كان يقول : له ما دون الجماع.
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤)
(مِنْ) في موضع رفع بالابتداء أي فمن لم يجد الرقبة والمفعول يحذف إذا عرف المعنى فعليه صيام شهرين ، ويجوز صيام شهرين على أن شهرين ظرف ، وإن شئت كان
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٣١ (قرأ الجمهور بالنصب على لغة الحجاز ، والمفضل عند عاصم بالرفع على لغة تميم ، وابن مسعود بأمهاتهم بزيادة الباء).
(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٣٩.