بالمؤمنين ؛ لأنه جلّ ثناؤه قد أذن في ذلك (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي ليكلوا أمرهم إليه ولا تحزنهم النجوى وما يتسارّ به المنافقون إذا كان الله جلّ وعزّ يحفظهم ويحوطهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١)
في المجلس (١) وروي عن الحسن وقتادة أنهما قرأ إذا قيل لكم تفاسحوا قال الفراء (٢) : مثل تعهدت ضيعتي وتعاهدت ، وقال أهل اللغة : تعهّدت أفصح ؛ لأنه فعل من واحد ، وقال الخليل: لا يقال إلّا تعهّدت ؛ لأنه فعل من واحد. وقرأ الحسن وعاصم (فِي الْمَجالِسِ) وقراءة العامة في المجلس وقال أبو جعفر : واختلف العلماء في معناه فصحّ عن مجاهد أنه قال : هو مجلس النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصة ، وصح عن قتادة أنه قال : كان الناس يتنافسون في مجلس النبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يكاد بعضهم يوسع لبعض فأنزل الله جلّ وعزّ يعني هذا ، وروي عن قتادة أنه في مجلس الذكر ، وقال الحسن (٣) ويزيد بن أبي حبيب : هذا في القتال خاصة. قال أبو جعفر : وظاهر الآية للعموم ، فعليه يجب أن يحمل ويكون هذا لمجلس النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصة وللحرب ولمجالس الذكر ولا نعلم قولا رابعا والمعنى يؤدّي عن معنى مجالس ، وأيضا فإن الإنسان إذا خوطب أن يوسع مجلسه ومعه جماعة قد أمروا بما أمر به فقد صارت مجالس. (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) جواب الأمر ، وفيه معنى المجازاة ومكان فسيح أي واسع. (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) قراءة أبي جعفر ونافع وشيبة وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وأهل الكوفة (انْشُزُوا فَانْشُزُوا) (٤) وهما لغتان بمعنى واحد ، وأبو عبيد يختار الثانية. ولو جاز أن يقع في هذا اختيار لكان الضم أولى ؛ لأنه فعل لا يتعدى مثل قعد يقعد ؛ لأن الأكثر في كلام العرب فيما لا يتعدى أي يأتي مضموما وفيما يتعدّى أن يأتي مكسورا مثل ضرب يضرب. وأما المعنى فأصح ما قيل فيه أنه النشوز إلى كل خير من أمر بمعروف ونهي عن منكر أو قتال عدو أو تفرّق عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لئلا يلحقه أذى. (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) قيل : أي يرفعهم في الثواب والكرامة ، وقيل : يرفعهم من الارتفاع أي يرفعهم على غيرهم ممن لا يعلم ليبيّن فضلهم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي يخبره فيجازي عليه.
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٣٥ ، وتيسير الداني ١٦٩ (قرأ عاصم «في المجالس» بألف على الجمع والباقون بغير على ألف على التوحيد).
(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٤١.
(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٣٥.
(٤) انظر تيسير الداني ١٦٩.