يعطي أحد أحدا شيئا إلا بإذنه ولا يمنعه إلا بمشيئته. (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) أن ذلك كذا ، فلهذا يقولون : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضوا.
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨)
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) وحكى الكسائي والفرّاء (١) أنه يقرأ لنخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ (٢) بالنون وأن ذلك بمعنى لنخرجنّ الأعز منها ذليلا ، وحكى الفرّاء : ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، بمعنى ذليلا أيضا وأكثر النحويين لا يجيز أن تكون الحال بالألف واللام غير أن يونس أجاز : مررت به المسكين ، وحكى سيبويه (٣) : دخلوا الأوّل فالأوّل ، وهي أشياء لا يجوز أن يحمل القرآن عليها إلّا أن علي بن سليمان قال : يجوز أن يكون ليخرجنّ» تعمل عمل لتكونن فيكون خبره معرفة ، والأعز والعزيز واحد أي القوي الأمين المنيع كما قال : [الطويل]
٤٨٧ ـ إذا ابتدر القوم السّلاح وجدتني |
|
عزيزا إذا بلّت بقائمة يدي(٤) |
ويروى «منيعا» والمعنى واحد. (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي فكذلك قالوا هذا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٩)
أي لا توجب لكم اللهو كأنّه من ألهيته فلهي ، كما قال : [الطويل]
٤٨٨ ـ ومثلك حبلى قد طرقت ومرضع |
|
فألهيتها عن ذي تمائم محول(٥) |
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي المغبونون الرحمة والثواب.
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠)
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) قيل : دلّ بهذا على أنه لا يقال رزقه الله جلّ وعزّ إلّا
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٦٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٧٠.
(٣) انظر الكتاب ١ / ٤٦٦.
(٤) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٣٨ ، وكتاب العين ٨ / ٣١٩ ، وتاج العروس (بلل) وأساس البلاغة (بلل).
(٥) مرّ الشاهد رقم (٣٨٥).