العلة (١) فيه. (وَشِفاءٌ) في موضع رفع بالابتداء ، والجملة خبره (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) على التمثيل أي لا يتفهّمون ما يقال لهم والعرب تقول لمن يتّفهم : هو يخاطب من قريب. قال مجاهد : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي بعيد من قلوبهم.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (٤٥)
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) مفعولان. (فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) «كلمة» مرفوعة بالابتداء عند سيبويه (٢) ، والخبر محذوف لا يظهر. وبعض الكوفيين يقول : لولا من الحروف الرافعة. فأما معنى كلمة : فقيل : إنّها تأخير عقوبتهم إلى يوم القيامة وترك أخذهم على المعصية لمّا علم الله عزوجل في ذلك من الصلاح ؛ لأنهم لو أخذوا بمعاصيهم في وقت العصيان لانتهوا ولم يكونوا مثابين ولا ممتحنين على ذلك وفي الحديث المسند «لولا أنكم تذنبون لأتى الله بقوم يذنبون فيغفر لهم» (٣) أي أنتم تمتحنون وتؤخّر عقوبتكم لتتوبوا.
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦)
(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) شرط وجوابه الفاء وما بعدها.
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) (٤٧)
(وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) هذه قراءة أهل المدينة (٤) ، وقراءة أهل الكوفة من ثمرة (٥) وهو اختيار أبي عبيد ؛ لأنّ ثمرة تؤدّي عن ثمرات هذا احتجاجه فحمل ذلك على المجاز ، والحقيقة أولى وأمضى. فإنه في المصاحف بالتاء. فالقراءة بثمرات أولى. (مِنْ أَكْمامِها) قال محمد بن يزيد : وهو ما يغطيها ، قال : والواحد كمّ ومن قال في الجمع : أكمّة قال في الواحد : كمام. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي) أي على قولكم (قالُوا آذَنَّاكَ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس «آذنّاك» يقول أعلمناك. (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) «من» زائدة للتوكيد أي ما منا شاهد يشهد أنّ معك إلها.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٤٨)
__________________
(١) مرّ في إعراب الآية ٤٩ ـ غافر.
(٢) انظر الإنصاف مسألة (١٠).
(٣) أخرجه الترمذي في سننه ـ صفة الجنة ١٠ / ٤.
(٤) و (٥) انظر تيسير الداني ١٥٧ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٧٧.