(وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) قال الأخفش : ظنّوا استيقنوا. قال : و «ما» حرف فلذلك لا تعمل فيه ظنوا فلذلك ألغي. قال أبو عبيدة (١) : حاص يحيص إذا حاد ، وقال غيره : المحيص المذهب الذي ترجى فيه النجاة.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٢)
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) في الكلام حذف أي إن كان من عند الله ثم كفرتم به أمصيبون أنتم في ذلك؟
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥٣)
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) في معناه ثلاثة أقوال : منها سنريهم ما خبّرهم به النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه سيكون من فتن وفساد وغلبة الروم وفارس وغير ذلك من إخباره حتّى يتبيّن لهم أن كل ما أخبر به هو الحق ، فذا قول ، وقيل : المعنى : سنريهم اثار صنعتنا في الآفاق الدالة على أنّ لها صانعا حكيما (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) من أنهم كانوا نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن بلغوا وعقلوا وميّزوا حتّى يتبين لهم أن الله هو الحق لا ما يعبدونه من دونه. والقول الثالث رواه الثوري عن عمرو بن قيس عن المنهال وبعض المحدثين يقول عن المنهال عن سعيد بن جبير أو غيره في قول الله جلّ وعزّ : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) قال : ظهور النبيّ صلىاللهعليهوسلم على الناس «وفي أنفسهم» قال : ظهوره عليهم. قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب هذا ، ونسق الكلام يدلّ عليه ، والقول الأول لا يصح ؛ لأنه لم يتقدم للأخبار ذكر فيكنّى عنها أعني (أَنَّهُ الْحَقُ). وفي المضمر ثلاثة أقوال سوى من قال : إنه للخبر : أحدها : أن يكون يعود على اسم الله جلّ وعزّ ، والثاني : أن يكون يعود على القرآن فقد تقدّم ذكره في قوله جلّ وعز : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) والثالث : أن يعود على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهذا أشبهها بنسق الكلام. (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فيه ثلاثة أقوال : منها أن يكون المعنى : أو لم يكف بربك بما دلّ به من حكمته وخلقه ففي ذلك كفاية ، والثاني : أو لم يكف بربك في معاقبته هؤلاء الكفّار المعاندين ففي الله جلّ وعزّ كفاية منهم ، والثالث : أن المعنى : أو لم يكفك يا محمّد ربك أنه شاهد على أعمال هؤلاء عالم بما يخفون فهذا يكفيك ؛ وهذا أشبه الأقوال بنسق الآية ، والله جلّ وعزّ أعلم. وفي موضع «أنه» من الإعراب ثلاثة أقوال : يجوز أن يكون في موضعها رفعا
__________________
(١) انظر مجاز القرآن ٢ / ١٩٨.