(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٥٧)
(فَضْلاً) منصوب على المصدر ، والعامل فيه المعنى ، واختلف في ذلك المعنى ، فقال أبو إسحاق فيه إنه (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) قال : ويجوز أن يكون العامل فيه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) ، وقال غيره العامل فيه (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، وجواب رابع أن يكون هذا كلّه عاملا فيه لأن معناه كلّه تفضّل من الله جلّ وعزّ. وكلّه يحتاج إلى شرح. وذلك أن يقال : قد قال جلّ وعزّ (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ١٢٧ ، ويوسف : ١٢] و (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام : ١٢٩] فما معنى التفضل هاهنا ففي هذا غير جواب منها أن تكليف الله جلّ وعزّ الأعمال ليس لحاجة منه إليها ، وإنّما كلّفهم ذلك ليعملوا فيدخلوا الجنة فالتكليف وإدخالهم الجنة تفضّل منه جلّ وعزّ. فأصحّ الأجوبة في هذا أنّ للمؤمنين ذنوبا لا يخلون منها ، وإن كانت لكثير منهم صغائر فلو أخذهم الله جلّ وعزّ بها لعذّبهم غير ظالم لهم ، فلما غفرها لهم وأدخلهم الجنة كان ذلك تفضلا منه جلّ وعزّ ، وأيضا فإنّ لله جلّ وعزّ على عباده كلّهم نعما في الدنيا فلو قوبل بتلك النعم أعمالهم لاستغرقها فقد صار دخولهم الجنة تفضلا ، كما قالصلىاللهعليهوسلم «ما أحد يدخل الجنّة بعمله» قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أنا يتغمّدني الله منه برحمة».
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥٨)
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) قيل : معنى يسّرناه علمناكه وحفّظناكه وأوحينا إليك لتتذكّروا به وتعتبروا.
(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩)
(فَارْتَقِبْ) أي فارتقب أن يحكم الله جلّ وعزّ بينك وبينهم (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) فيه قولان : أحدهما أنه مجاز ، وأن المعنى أنهم بمنزلة المرتقبين لأن الأمر حال بهم لا محالة ، وقيل هو حقيقة أي أنهم مرتقبون ما يؤمّلونه.