معنى الآية : حاجّ إبراهيم ، لأن الله آتاه الملك ، فأعجب بنفسه وملكه.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، قال بعضهم : هذا جواب سؤال سابق غير مذكور ، تقديره : أنه قال له : من ربّك؟ فقال : ربّي الذين يحيي ويميت. قال نمروذ : أنا أحيي وأميت. قال ابن عباس : يقول : أترك من شئت ، وأقتل من شئت. فإن قيل : لم انتقل إبراهيم إلى حجّة أخرى ، وعدل عن نصرة الأولى؟ فالجواب : أن إبراهيم رأى من فساد معارضته أمرا يدل على ضعف فهمه ، فإنه عارض اللفظ بمثله ، ونسي اختلاف الفعلين ، فانتقل إلى حجّة أخرى ، قصدا لقطع المحاجّ لا عجزا عن نصرة الأولى.
وقرأ أبن رزين العقيليّ ، وابن السّميفع : فبهت ، بفتح الباء والهاء ، وقرأ أبو الجوزاء ، ويحيى بن يعمر ، وأبو حياة : فبهت ؛ بفتح الباء ، وضم الهاء. قال الكسائيّ : ومن العرب من يقول : بهت ، وبهت ، بكسر الهاء وضمّها (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، يعني : الكافرين. قال مقاتل : لا يهديهم إلى الحجّة ، وعنى بذلك نمروذ.
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))
قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) ، قال الزجّاج : هذا معطوف على معنى الكلام الذي قبله ، أرأيت كالذي حاجّ إبراهيم ، أو كالذي مرّ على قرية؟ وفي المراد بالقرية قولان : أحدهما : أنها بيت المقدس لما خرّبه بختنصّر ، قاله وهب ، وقتادة ، والرّبيع بن أنس. والثاني : أنها التي خرج منها الألوف حذر الموت ، قاله ابن زيد. وفي الذي مرّ عليها ثلاثة أقوال : أحدها : أنه عزير ، قاله عليّ بن أبي طالب ، وأبو العالية ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وناجية بن كعب ، وقتادة ، والضحّاك ، والسّدّيّ ، ومقاتل. والثاني : أنه أرمياء ، قاله وهب ، ومجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير. والثالث : أنه رجل كافر شكّ في البعث ، نقل عن مجاهد أيضا.
والخاوية : الخالية ، قاله الزجّاج. وقال ابن قتيبة : الخاوية : الخراب ، والعروش : السّقوف ، وأصل ذلك أن تسقط السّقوف ، ثم تسقط الحيطان عليها (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) ، أي : كيف يحييها. فإن قلنا : إن هذا الرجل نبيّ ، فهو كلام من يؤثر أن يرى كيفيّة الإعادة ، أو يستهولها ، فيعظّم قدرة الله ، وإن قلنا : إنه كان رجلا كافرا ، فهو كلام شاكّ ، والأول أصح.
قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).
الإشارة إلى قصته
روى ناجية بن كعب عن عليّ عليهالسلام ، قال : خرج عزير نبيّ الله من مدينته ، وهو رجل شابّ ، فمرّ على قرية ، وهي خاوية على عروشها ، فقال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة