عام ، ثم بعثه ، وأوّل ما خلق الله منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظمه تنضمّ بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحما ، ونفخ فيها الرّوح. قال الحسن : قبضه الله أول النهار ، وبعثه الله آخر النهار بعد مائة سنة. قال مقاتل : ونودي من السماء : كم لبثت؟ قال قتادة : فقال : لبثت يوما ، ثم نظر فرأى بقيّة من الشمس ، فقال : أو بعض يوم. فهذا يدل على أنه عزير.
وقال وهب بن منبه : أقام أرميا بأرض مصر فأوحى الله إليه أن الحق بأرض إيلياء ، فركب حماره ، وأخذ معه سلّة من عنب وتين ، ومعه سقاء جديد ، فيه ماء ، فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد نظر إلى خراب لا يوصف فلما رأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم قال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها؟ ثم نزل منها منزلا ، وربط حماره ، وعلق سقاءه ، وألقى الله عليه النوم ، ونزع روحه مائة عام ، فلما مرّ منها سبعون عاما ، أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس ، عظيم ، فقال : إن الله يأمرك أن تنفر بقومك ، فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها حتى تعود أعمر ما كانت ، فانتدب ثلاثمائة قهرمان ، ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل ، وما يصلحه من أداة العمل ، فسار إليها قهارمته ومعهم ثلاثمائة ألف عامل. فلما وقعوا في العمل ، ردّ الله روح الحياة في عيني أرميا ، وآخر جسده ميت ، فنظر إليها تعمر ، فلما تمّت بعد ثلاثين سنة ؛ ردّ الله إليه الروح ، فنظر إلى طعامه وشرابه فلم يتسنّه ، ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب ، ونظر إلى الرّمّة في عنق الحمار لم تتغير ولم تنتقص شيئا وقد نحل جسم أرميا من البلى ، فأنبت الله له لحما جديدا ونشز عظامه وهو ينظر ، فقال له الله : (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس ، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال : اعلم أن الله على كل شيء قدير). وزعم مقاتل أن هذه القصة كانت بعد رفع عيسى عليهالسلام.
قوله تعالى : (كَمْ لَبِثْتَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم «لبثت» و «لبثتم» في كل القرآن بإظهار التاء ، وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ بالإدغام ، قال أبو عليّ الفارسيّ : من بيّن «لبثت» فلتباين المخرجين ، وذلك أن الظاء والذال والثاء من حيّز ، والطاء والتاء والدال من حيّز ، فلما تباين المخرجان ، واختلف الحيّزان ، لم يدغم. ومن أدغمهما أجراها مجرى المثلين ، لاتّفاق الحرفين في أنهما من طرف اللّسان وأصول الثّنايا ، واتّفاقهما في الهمس ، ورأى الذي بينهما من الاختلاف يسيرا ، فأجراهما مجرى المثلين. فأما طعامه وشرابه ، فقال وهب : كان معه مكتل فيه عنب وتين ، وقلّة فيها ماء. وقال السّدّيّ : كان معه تين وعنب ، وشرابه من العصير ، ولم يحمض التين والعنب ، ولم يختمر العصير.
قوله تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : (يَتَسَنَّهْ) و (اقْتَدِهْ) (١) و (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (٢) و (سُلْطانِيَهْ) (٣) و (ما هِيَهْ) (٤) بإثبات الهاء في الوصل. وقرأ الكسائيّ في حذف موضعين (يَتَسَنَّهْ) و (اقْتَدِهْ) وكلهم يقف على الهاء. ولم يختلفوا في (كِتابِيَهْ*) و (حِسابِيَهْ*) بالهاء وصلا ووقفا. فأما معنى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) ، فقال ابن عباس ، والحسن ،
__________________
(١) الأنعام : ٩٠.
(٢) الحاقة : ٢٨.
(٣) الحاقة : ٢٩.
(٤) القارعة : ١٠.