والثاني : أنه لما بشّر باتخاذ الله له خليلا ، سأل هذا السؤال ليعلم صحة البشارة ، ذكره السّدّيّ عن ابن مسعود ، وابن عباس. وروي عن سعيد بن جبير أنه لما بشّر بذلك ، قال : ما علامة ذلك؟ قال : أن يجيب الله دعاءك ، ويحيي الموتى بسؤالك ، فسأل هذا السؤال.
والثالث : أنه سأل ذلك ليزيل عوارض الوسواس ، وهذا قول عطاء بن أبي رباح.
والرابع : أنه لما نازعه نمروذ في إحياء الموتى سأل ذلك ليرى ما أخبر به عن الله تعالى ، وهذا قول محمّد بن إسحاق.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) ، أي : أولست قد آمنت أنّي أحيي الموتى؟ وقال ابن جبير : ألم توقن بالخلّة؟ قوله تعالى : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ، «اللام» متعلقة بفعل مضمر ، تقديره : ولكن سألتك ليطمئنّ ، أو أرني ليطمئنّ قلبي ، ثم في المعنى أربعة أقوال : أحدها : لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك ، قاله ابن عباس. والثاني : ليزداد قلبي يقينا ، قاله سعيد بن جبير. وقال الحسن : كان إبراهيم موقنا ، ولكن ليس الخبر كالمعاينة. والثالث : ليطمئنّ قلبي بالخلّة ، روي عن ابن جبير أيضا. والرابع : أنه كان قلبه متعلّقا برؤية إحياء الموتى ، فأراد : ليطمئنّ قلبه بالنّظر ، قاله ابن قتيبة. وقال غيره : كانت نفسه تائقة إلى رؤية ذلك ، وطالب الشيء قلق إلى أن يظفر بطلبته ، ويدلّ على أنه لم يسأل لشكّ ، أنه قال : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ، وما قال : هل تحيي الموتى؟
قوله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) في الذي أخذ سبعة أقوال : أحدها : أنها الحمامة ، والدّيك ، والكركيّ ، والطّاوس ، رواه عبد الله بن هبيرة عن ابن عباس. والثاني : أنها الطّاوس ، والدّيك ، والدّجاجة السّنديّة ، والإوزّة ، رواه الضحّاك عن ابن عباس. وفي لفظ آخر ، رواه الضحّاك مكان الدّجاجة السّنديّة الرّأل ، وهو فرخ النّعام. والثالث : أنها الشّعانين ، وكان قرباهم يومئذ ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع : أنها الطّاوس ، والنّسر ، والغراب ، والدّيك ، نقل عن ابن عباس أيضا. والخامس : أنها الدّيك ، والطّاوس والغراب ، والحمام ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن جريج ، وابن زيد. والسادس : أنها ديك ، وغراب ، وبطّ ، وطاوس ، رواه ليث عن مجاهد. والسابع : أنّها الدّيك ، والبطّة ، والغراب ، والحمامة ، قاله مقاتل. وقال عطاء الخراسانيّ : أوحى الله إليه أن خذ بطّة خضراء وغرابا أسود ، وحمامة بيضاء ، وديكا أحمر.
قوله تعالى : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) ، قرأ الجمهور بضم الصاد ، والمعنى : أملهنّ إليك ، يقال : صرت الشيء فانصار ، أي : أملته فمال ، وأنشدوا (١) :
الله يعلم أنّا في تلفّتنا |
|
يوم الفراق إلى جيراننا صور (٢) |
فمعنى الكلام : اجمعهنّ إليك. (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) فيه إضمار قطعهنّ. قال ابن قتيبة : أضمر «قطعهنّ» ، واكتفى بقوله : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) ، عن قوله : «قطّعهن» لأنه يدلّ عليه ، وهذا كما تقول : خذ هذا الثوب ، واجعل على كل رمح عندك منه علما. يريد : قطّعه ،
__________________
(١) البيت ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «صور» ولم ينسبه لقائل.
(٢) في «اللسان» : الصّور : الميل ورجل أصور بين الصّور : مائل مشتاق.