(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١))
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، حدّثنا عن ثعلب أنه قال : إنما المثل ـ والله أعلم ـ للنّفقة ، لا للرجال ، ولكن العرب إذا دلّ المعنى على ما يريدون ، حذفوا ، مثل قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) ، فأضمر «الحبّ» لأن المعنى معلوم ، فكذلك هاهنا. أراد : مثل نفقة الذين ينفقون ونحو هذا قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) (١). يريد : بخل الباخلين فحذف البخل. وفي المراد ب «سبيل الله» قولان : أحدهما : أنه الجهاد. والثاني : أنه جميع أبواب البرّ. قال أبو سليمان الدّمشقيّ : والآية مردودة على قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) ، وقد أعلم الله عزوجل بضرب هذا المثل ، أن الحسنة في النّفقة في سبيله تضاعف بسبعمائة ضعف. وقال الشعبي : نفقة الرجل على نفسه وأهل بيته تضاعف بسبعمائة ضعف. قال ابن زيد : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) ، أي : يزيد على السّبعمائة.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال ابن السّائب ومقاتل : نزلت في عثمان بن عفّان في نفقته في غزوة تبوك ، وشرائه بئر رومة ، ركية بالمدينة ، تصدّق بها على المسلمين ، وفي عبد الرحمن بن عوف حين تصدّق بأربعة آلاف درهم ، وكانت نصف ماله (٢).
وأما المنّ ففيه قولان : أحدهما : أنه المنّ على الفقير ، ومثل أن يقول : قد أحسنت إليك ونعشتك ، وهو قول الجمهور. والثاني : أنه المنّ على الله بالصّدقة ، روي عن ابن عباس. فإن قيل : كيف مدحهم بترك المنّ. ووصف نفسه بالمنّان؟ فالجواب : يقال : منّ فلان على فلان : إذا أنعم عليه ، فهذا الممدوح ، قال الشاعر :
__________________
وَيُمِيتُ) فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلّة والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا. وإذا تأملت سؤاله عليهالسلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متفرد الوجود عند السائل والمسؤول. ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبّرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح ، فلما كانت عبارة الخليل إبراهيم عليهالسلام بهذا الاشتراك المجازي ، خلص الله له ذلك وحمله على أن بين له الحقيقة فقال له : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) فكمل الأمر وتخلّص من كل شك ثم علل عليهالسلام سؤاله بالطمأنينة.
(١) آل عمران : ١٨٥.
(٢) لا أصل له. عزاه المصنف لابن السائب ومقاتل. أما ابن السائب ، فهو محمد بن السائب الكلبي ، وهو متروك كذاب. وأما مقاتل فهو ابن سليمان حيثما أطلق ، وهو كذاب أيضا ، فهذا أثر باطل لا أصل له ، ولم أجده عن غيرهما.