فمنّي علينا بالسّلام فإنّما |
|
كلامك ياقوت ودرّ منظّم |
أراد بالمنّ الإنعام. وأما الوجه المذموم ، فهو أن يقال : منّ فلان على فلان ، إذا استعظم ما أعطاه ، وافتخر بذلك قال الشاعر في ذلك :
أنلت قليلا ثمّ أسرعت منّة |
|
فنيلك ممنون كذاك قليل |
ذكر ذلك أبو بكر الأنباريّ.
وفي الأذى قولان : أحدهما : أنه مواجهة الفقير بما يؤذيه ، مثل أن يقول له : أنت أبدا فقير ، وقد بليت بك ، وأراحني الله منك. والثاني : أنه يخبر بإحسانه إلى الفقير ، من يكره الفقير اطّلاعه على ذلك ، وكلا القولين يؤذي الفقير وليس من صفة المخلصين في الصّدقة. ولقد حدّثنا عن حسان بن أبي سنان أنه كان يشتري أهل بيت الرجل وعياله ، ثم يعتقهم جميعا ، ولا يتعرّف إليهم ، ولا يخبرهم من هو.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣))
قوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، أي : قول جميل للفقير ، مثل أن يقول له : يوسع الله عليك (وَمَغْفِرَةٌ) أي : يستر على المسلم خلّته وفاقته ، وقيل : أراد بالمغفرة التجاوز عن السائل إن استطال على المسؤول وقت ردّه (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) وقد سبق بيانه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤))
قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) ، أي : لا تبطلوا ثوابها ، كما تبطل ثواب صدقة المرائي الذي لا يؤمن بالله ، وهو المنافق (فَمَثَلُهُ) ، أي : مثل نفقته ، (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) ، قال ابن قتيبة : الصّفوان : الحجر ، والوابل : أشدّ المطر ، والصّلد : الأملس. وقال الزجّاج : الصّفوان : الحجر الأملس ، وكذلك الصّفا. وقال ثعلب : الصّلد : النّقيّ. وروي عن ابن عباس ، وقتادة ، (فَتَرَكَهُ صَلْداً) ، قالا : ليس عليه شيء. وهذا مثل ضربه الله تعالى للمرائي بنفقته ، لا يقدر يوم القيامة على ثواب شيء مما أنفق.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥))
قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ، أي : طلبا لرضاه. وفي معنى التّثبيت قولان : أحدهما : أنه الإنفاق عن يقين وتصديق ، وهذا قول الشّعبيّ ، والسّدّيّ ، في آخرين. والثاني : أنه التّثبيت لارتياد محلّ الإنفاق ، فهم ينظرون أين يضعونها ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، وأبي صالح. قوله تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) الجنّة : البستان ، وقرأ مجاهد ، وعاصم الجحدريّ «حبة» بالحاء. والرّبوة : ما ارتفع. وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ «بربوة» بضم الراء.