(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠))
قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) ، النّذر : ما أوجبه الإنسان على نفسه ، وقد يكون مطلقا ، ويكون معلّقا بشرط. (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) ، قال مجاهد : يحصيه ، وقال الزجّاج : يجازي عليه. وفي المراد بالظّالمين هاهنا ، قولان : أحدهما : أنهم المشركون ، قاله مقاتل. والثاني : المنفقون بالمنّ والأذى والرّياء ، والمنذرون في المعصية ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. والأنصار : المانعون. فمعناه : ما لهم مانع يمنعهم من عذاب الله.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١))
قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ).
(١٤١) قال ابن السّائب : لمّا نزل قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) ، قالوا : يا رسول الله ، صدقة السّرّ أفضل ، أم العلانية؟ فنزلت هذه الآية. قال الزجّاج ، يقال : بدا الشيء يبدو : إذا ظهر ، وأبديته إبداء : إذا أظهرته ، وبدا لي بداء : إذا تغيّر رأيي عمّا كان عليه.
وقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ) ، في «نعم» أربع لغات : «نعم» بفتح النون ، والعين ، مثل : علم. و «نعم» بكسرها ، و «نعم» بفتح النون ، وتسكين العين ، و «نعم» بكسر النون ، وتسكين العين. وأمّا قوله : (فَنِعِمَّا هِيَ) قرأ نافع في غير رواية «ورش» ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية أبي بكر ، والمفضّل : «فنعما» ، بكسر النون ، والعين ساكنة. وقرأ ابن كثير ، وعاصم في رواية حفص ، ونافع في رواية «ورش» ، ويعقوب بكسر النون والعين. وقرأ ابن عامر ، وحمزة والكسائيّ ، وخلف : «فنعمّا» بفتح النون ، وكسر العين ، وكلّهم شدّدوا الميم. وكذلك خلافهم في سورة النّساء. قال الزجّاج : «ما» في تأويل الشيء ، أي : فنعمّ الشيء هو. قال أبو عليّ : نعم الشيء إبداؤها. قوله تعالى ؛ (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ، فهو الإخفاء. واتفق العلماء على أن إخفاء الصدقة النّافلة أفضل من إظهارها ، وفي الفريضة قولان : أحدهما : أن إظهارها أفضل ، قاله ابن عباس في آخرين. واختاره القاضي أبو يعلى. وقال الزجّاج : كان إخفاء الزّكاة على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أحسن ، فأمّا اليوم ، فالناس مسيئون الظنّ ، فإظهارها أحسن. والثاني : إخفاؤها أفضل ، قاله الحسن ، وقتادة ، ويزيد بن أبي حبيب. وقد حمل أرباب القول الأول الصدقات في الآية على الفريضة ، وحملوا (وَإِنْ تُخْفُوها) على النّافلة ، وهذا قول عجيب. وإنما فضّلت صدقة السّرّ لمعنيين : أحدهما : يرجع إلى المعطي ، وهو بعده عن الرّياء ، وقربه من الإخلاص ، والإعراض عمّا تؤثر النّفس من العلانية. والثاني : يرجع إلى المعطى ، وهو دفع الذّلّ عنه بإخفاء الحال ، لأنه في العلانية ينكسر. قوله تعالى : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) ، قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم (ونكفّر) بالنون والرفع ، والمعنى : ونحن نكفّر ، ويجوز أن يكون مستأنفا.
____________________________________
(١٤١) لا أصل له ، ذكره المصنف عن الكلبي تعليقا بدون إسناد ، ومع ذلك هو معضل ، والكلبي واسمه محمد بن السائب متروك كذاب ، فهذا خبر لا أصل له.