وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائيّ : «ونكفّر» بالنون وجزم الراء. قال أبو عليّ : وهذا على حمل الكلام على موضع قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأن قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) في موضع جزم ، ألا ترى أنه لو قال : وإن تخفوها يكون أعظم لأجركم لجزم ، ومثله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) (١) ، حمل قوله و «أكن» على موضع «فأصدّق». وقرأ ابن عامر : «ويكفّر» بالياء والرفع ، وكذلك حفص عن عاصم على الكناية عن الله عزوجل ، وقرأ أبان عن عاصم ، «وتكفّر» بالتاء المرفوعة ، وفتح الفاء مع إسكان الراء. قوله تعالى : (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ، في «من» قولان : أحدهما : أنها زائدة. والثاني : أنها داخلة للتّبعيض. قال أبو سليمان الدّمشقيّ : ووجه الحكمة في ذلك أن يكون العباد على خوف ووجل.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) في سبب نزولها قولان :
(١٤٢) أحدهما : أن المسلمين كرهوا أن يتصدّقوا على أقربائهم من المشركين ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول الجمهور.
(١٤٣) والثاني : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تتصدّقوا إلّا على أهل دينكم» ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير.
والخير في الآية ، أريد به المال ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. ومعنى : (فَلِأَنْفُسِكُمْ) ، أي : فلكم ثوابه. قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) ، قال الزجّاج : هذا خاصّ للمؤمنين ، أعلمهم الله أنه قد علم أن مرادهم ما عنده ، وإذا أعلمهم بصحة قصدهم ، فقد أعلمهم بالجزاء عليه.
قوله تعالى : (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ، أي : توفّون أجره. ومعنى الآية : ليس عليك أن يهتدوا ، فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام ، فإن تصدّقتم عليهم أثبتم. والآية محمولة على صدقة التّطوّع ، إذ لا يجوز أن يعطى الكافر من الصّدقة المفروضة شيئا.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣))
____________________________________
(١٤٢) أخرجه الواحدي في «الأسباب» ١٧٤ عن ابن الحنفية به ، وفي الإسناد سلمان المكي ، لم أجد له ترجمة.
ـ ولمعناه شواهد منها عن ابن عباس : أخرجه الطبري ٦٢٠٠ وكرره ٦٢٠٣ من وجه آخر ، وإسناده حسن.
وفي الباب مراسيل كثيرة ، فالخبر قوي بشواهده.
(١٤٣) ضعيف. أخرجه الواحدي في «الأسباب» ١٧٣ وابن أبي شيبة كما في «الدر» ١ / ٦٣١ عن سعيد بن جبير مرسلا ، فهو ضعيف لإرساله.
__________________
(١) المنافقون : ١٠.