السور على ستة أقوال (١) : أحدها : أنها من المتشابه الذي لا يعلمه إلّا الله. قال أبو بكر الصّديق رضي الله عنه : لله عزوجل في كل كتاب سرّ ، وسرّ الله في القرآن أوائل السّور ، وإلى هذا المعنى ذهب الشّعبيّ ، وأبو صالح ، وابن زيد. والثاني : أنها حروف من أسماء ، فإذا ألّفت ضربا من التأليف كانت أسماء من أسماء الله عزوجل. قال عليّ بن أبي طالب : هي أسماء مقطّعة ، لو علم الناس تأليفها علموا اسم الله الذي إذا دعي به أجاب. وسئل ابن عباس عن «الر» و «حم» و «نون» ، فقال : اسم الرحمن على الهجاء ، وإلى نحو هذا ذهب أبو العالية ، والرّبيع بن أنس. والثالث : أنها حروف أقسم الله بها ، قاله ابن عباس ، وعكرمة. قال ابن قتيبة : ويجوز أن يكون أقسم بالحروف المقطّعة كلّها ، واقتصر على ذكر بعضها كما يقول القائل : تعلمت «أب ت ث» وهو يريد سائر الحروف ، وكما يقول : قرأت الحمد ، يريد فاتحة الكتاب ، فيسمّيها بأوّل حرف منها ، وإنما أقسم بحروف المعجم لشرفها ، ولأنها مباني كتبه المنزّلة ، وبها يذكر ويوحّد. قال ابن الأنباريّ : وجواب القسم محذوف ، تقديره : وحروف المعجم لقد بيّن الله لكم السبيل ، وأنهجت لكم الدّلالات بالكتاب المنزّل ، وإنما حذف لعلم المخاطبين به ، ولأن في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) دليلا على الجواب. والرابع : أنه أشار بما ذكر من الحروف إلى سائرها ، والمعنى : أنه لما كانت الحروف أصولا للكلام المؤلّف ، أخبر أن هذا القرآن إنما هو مؤلّف من هذه الحروف ، قاله الفرّاء ، وقطرب. فإن قيل : فقد علموا أنه حروف ، فما الفائدة في إعلامهم بهذا؟ فالجواب أنه نبّه بذلك على إعجازه ، فكأنه قال : هو من هذه الحروف التي تؤلّفون منها كلامكم ، فما بالكم تعجزون عن معارضته؟! فإذا عجزتم فاعلموا أنه ليس من قول محمّد عليهالسلام.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٣٥ ـ ٣٧ : قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السّور. فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها. ومنهم من فسّرها ، واختلف هؤلاء في معناها فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنما هي أسماء السور. وقال الزمخشري في «تفسيره» : وعليه إطباق الأكثر ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (آلم) السجدة ، و (هل أتى على الإنسان). وقال سفيان الثوري آلم ، حم ، والمص ، وص ، فواتح افتتح الله بها القرآن. وفي رواية عن ابن أبي نجيح أنه قال : آلم اسم من أسماء القرآن.
ولعل هذا يرجع إلى معنى القول اسم من أسماء السور فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم السامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم. وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى قال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال : آلم اسم الله الأعظم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى. قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي يجمعها قولك : نص حكيم قاطع له سر.
وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك. قال الزمخشري : وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ... وقد سردها مفصلة ثم قال فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت. وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث فقد ادعى ما ليس له وطار في غير مطاره. وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. وهو ممن لا يحتج به ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرار فأطم وأعظم. والله أعلم.