قوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ، في سبب نزولها قولان :
(١٨٣) أحدهما : أن رؤساء اليهود قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك ، وأنه كان يهوديا ، وما بك إلا الحسد ، فنزلت هذه الآية. ومعناها : أحقّ النّاس بدين إبراهيم ، الذين اتّبعوه على دينه ، وهذا النبيّ محمّد صلىاللهعليهوسلم على دينه ، قاله ابن عباس.
(١٨٤) والثاني : أن عمرو بن العاص أراد إن يغضب النّجاشيّ على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال للنّجاشيّ : إنهم ليشتمون عيسى. فقال النّجاشيّ : ما يقول صاحبكم في عيسى؟ فقالوا : يقول : إنه عبد الله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم. فأخذ النّجاشيّ من سواكه قدر ما يقذي العين ، فقال : والله ما زاد على ما يقول صاحبكم ما يزن هذا القذى ، ثم أبشروا ، فلا دهورة (١) اليوم على حزب إبراهيم. قال عمرو بن العاص : ومن حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرّهط وصاحبهم فأنزل الله يوم خصومتهم على النبيّ صلىاللهعليهوسلم هذه الآية ، هذا قول عبد الرحمن بن غنم.
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩))
قوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) سبب نزولها أن اليهود قالوا لمعاذ بن جبل ، وعمّار بن ياسر : تركتما دينكما ، واتبعتما دين محمّد ، فنزلت هذه الآية (٢) ، قاله ابن عباس. والطّائفة : اسم لجماعة مجتمعين على اجتمعوا عليه من دين ، ورأي ، ومذهب ، وغير ذلك. وفي هذه الطائفة قولان : أحدهما : أنهم اليهود ، قاله ابن عباس. والثاني : اليهود والنّصارى ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. والضّلال : الحيرة. وفيه هاهنا قولان : أحدهما : أنه الاستنزال عن الحقّ إلى الباطل ، وهو قول ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : الإهلاك ، ومنه (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (٣) قاله ابن جرير ، والدّمشقيّ.
وفي قوله تعالى : (وَما يَشْعُرُونَ) قولان : أحدهما : وما يشعرون أنّ الله يدلّ المؤمنين على حالهم. والثاني : وما يشعرون أنهم يضلّون أنفسهم.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠))
____________________________________
(١٨٣) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢١٠ عن ابن عباس بدون إسناد ، فهو لا شيء.
(١٨٤) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢١١ عن أبي صالح عن ابن عباس. وهذا إسناد ساقط كما تقدم غير مرة.
وورد عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ، أخرجه عبد بن حميد كما في «الدر» ٢ / ٧٣ وهذا مرسل ، وشهر بن حوشب غير قوي. وله شاهد موصول من حديث أبي موسى : أخرجه الحاكم ٢ / ٣٠٩ وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، لكن ليس فيه ذكر نزول هذه الآية.
__________________
(١) في «اللسان» : الدهورة : جمعك الشيء وقذفك به في مهواة ؛ ودهورت الشيء : كذلك. وفي حديث النجاشي : فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم ، كأنه أراد لا ضيعة عليهم ولا يترك حفظهم وتعهدهم.
(٢) ذكره الواحدي ٢١٣ بدون عزو لأحد فهو ساقط ، ليس بشيء. وانظر «تفسير القرطبي» ٤ / ١١٠.
(٣) السجدة : ١٠.