واختلف العلماء في لام «لما» فقرأ الأكثرون «لما» بفتح اللام مع التخفيف ، وقرأ حمزة مثلها ، إلا أنه كسر اللام ، وقرأ سعيد بن جبير «لمّا» مشدّدة الميم ، فقراءة ابن جبير ، معناها : حين آتيتكم. وقال الفرّاء في قراءة حمزة : يريد أخذ الميثاق للذي آتاهم ، ثم جعل قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) من الأخذ. قال الفرّاء : ومن نصب اللام جعلها زائدة. و «ما» هاهنا بمعنى الشّرط والجزاء ، فالمعنى : لئن آتيتكم ومهما آتيتكم شيئا من كتاب وحكمة. قال ابن الأنباريّ : اللام في قوله تعالى : (لَما آتَيْتُكُمْ) على قراءة من شدّد أو كسر : جواب لأخذ الميثاق ، لأن أخذ الميثاق يمين. وعلى قراءة من خفّفها ، معناها : القسم ، وجواب القسم اللام في قوله : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) وإنما خاطب ، فقال : آتيتكم. بعد أن ذكر النّبيّين وهم غيّب ، لأن في الكلام معنى قول وحكاية ، فقال مخاطبا لهم : لما آتيتكم. وقرأ نافع «آتيناكم» بالنون والألف.
قوله تعالى : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) قال عليّ عليهالسلام : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد ، إن بعث محمّد وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه. وقال غيره : أخذ ميثاق الأنبياء أن يصدّق بعضهم بعضا. والإصر هاهنا : العهد في قول الجماعة. قال ابن قتيبة : أصل الإصر الثقل ، فسمي العهد إصرا ، لأنه منع من الأمر الذي أخذ له ، وثقل وتشديد. وكلّهم كسر ألف «إصري» وروى أبو بكر ، عن عاصم ضمّه. قال أبو عليّ : يشبه أن يكون الضمّ لغة.
قوله تعالى : (قالَ فَاشْهَدُوا) قال ابن فارس : الشّهادة : الإخبار بما شوهد. وفيمن خوطب بهذا قولان : أحدهما : أنه خطاب للنّبيين ثم فيه قولان : أحدهما : أن معناه : فاشهدوا على أممكم ، قاله عليّ بن أبي طالب. والثاني : فاشهدوا على أنفسكم ، قاله مقاتل. والثاني : أنه خطاب للملائكة ، قاله سعيد بن المسيّب ، فعلى هذا يكون كناية عن غير مذكور.
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣))
قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) قرأ أبو عمرو : «يبغون» بالياء مفتوحة. «وإليه ترجعون» بالتاء مضمومة ، وقرأها الباقون بالياء في الحرفين. وروى حفص عن عاصم : «يبغون» و «يرجعون» بالياء فيهما ، وفتح الياء وكسر الجيم ، يعقوب على أصله.
(١٩٠) قال ابن عباس : اختصم أهل الكتابين ، فزعمت كلّ فرقة أنها أولى بدين إبراهيم ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم». فغضبوا ، وقالوا : والله لا نرضى بقضائك ، ولا نأخذ بدينك ، فنزلت هذه الآية.
والمراد بدين الله ، دين محمّد صلىاللهعليهوسلم. (وَلَهُ أَسْلَمَ) انقاد ، وخضع (طَوْعاً وَكَرْهاً) الطّوع : الانقياد بسهولة ، والكره : الانقياد بمشقّة وإباء من النّفس. وفي معنى الطّوع والكره ستة أقوال : أحدها :
____________________________________
(١٩٠) لا أصل له. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢٢٤ بدون إسناد. ولم أره عند غيره ، فهذا متن باطل لا أصل له لخلوه عن الإسناد ، والظاهر أنه من رواية الكلبي بسلسلته المشهورة.