أن إسلام الكلّ كان يوم الميثاق طوعا وكرها ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، والأعمش عن مجاهد ، وبه قال السّدّيّ. والثاني : أن المؤمن يسجد طائعا ، والكافر يسجد ظلّه وهو كاره ، روي عن ابن عباس ، ورواه ابن أبي نجيح ، وليث عن مجاهد. والثالث : أن الكلّ أقرّوا له بأنه الخالق ، وإن أشرك بعضهم ، فإقراره بذلك حجة عليه في إشراكه ، هذا قول أبي العالية ، ورواه منصور عن مجاهد. والرابع : أن المؤمن أسلم طائعا ، والكافر أسلم مخافة السّيف ، هذا قول الحسن. والخامس : أن المؤمن أسلم طائعا ، والكافر أسلم حين رأى بأس الله ، فلم ينفعه في ذلك الوقت ، وهذا قول قتادة. والسادس : أن إسلام الكلّ خضوعهم لنفاذ أمره في جبلّتهم ، لا يقدر أحدهم أن يمتنع من جبلّة جبله عليها ، ولا على تغييرها ، هذا قول الزجّاج ، وهو معنى قول الشّعبيّ : انقاد كلّهم له.
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧))
قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(١٩١) أحدها : أنّ رجلا من الأنصار ارتدّ ، فلحق بالمشركين ، فنزلت هذه الآية ، إلى قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) فكتب بها قومه إليه ، فرجع تائبا فقبل النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك منه وخلّى عنه. رواه عكرمة عن ابن عباس. وذكر مجاهد والسّدّيّ أن اسم ذلك الرجل : الحارث بن سويد.
والثاني : أنها نزلت في عشرة رهط ارتدّوا ، فيهم الحارث بن سويد ، فندم ، فرجع (١). رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل. والثالث : أنها في أهل الكتاب ، عرفوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثم كفروا به. رواه عطيّة عن ابن عباس (٢). وقال الحسن : هم اليهود والنّصارى. وقيل : إنّ «كيف» هاهنا لفظها لفظ الاستفهام ، ومعناها الجحد ، أي : لا يهدي الله هؤلاء.
____________________________________
(١٩١) صحيح. أخرجه النسائي في «التفسير» ٨٥ وأحمد ١ / ٢٤٧ وابن حبان ٤٤٦٠ والحاكم ٢ / ١٤٢ و ٤ / ٣٦٦ والطبري ٧٣٥٨ والبيهقي ٨ / ١٩٧ والواحدي في «أسباب النزول» ٢٢٥ من حديث ابن عباس ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي وهو كما قالا ، وله شواهد مرسلة. وانظر «تفسير الشوكاني» ٥٢٠ بتخريجنا.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» ٣٢٤ عن الكلبي بدون إسناد ، والكلبي كذبه غير واحد ، روى عن أبي صالح عن ابن عباس تفسيرا مصنوعا ، والصواب ما تقدم.
(٢) ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٧٣٦٦ بسند فيه مجاهيل عن عطية العوفي ، وهو ضعيف عن ابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر» ٢ / ٨٨ وعزاه لابن أبي حاتم. والصحيح ما تقدم عن ابن عباس.