(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩))
قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) قال الزّجّاج أي : في عذاب اللعنة (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي : يؤخّرون عن الوقت. ومعنى : (وَأَصْلَحُوا) أي : أظهروا أنّهم كانوا على ضلال ، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه ، وغرّوا به من تبعهم ممّن لا علم له.
فصل : وهذه الآية استثنت من تاب ممّن لم يتب ، وقد زعم قوم أنها نسخت ما تضمّنته الآيات قبلها من الوعيد ، والاستثناء ليس بنسخ.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال : أحدها : أنّها نزلت فيمن لم يتب من أصحاب الحارث بن سويد ، فإنهم قالوا : نقيم بمكة ونتربّص بمحمّد ريب المنون (١) ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : أنها نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل ، ثم ازدادوا كفرا بمحمّد والقرآن ، قاله الحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراسانيّ. والثالث : أنها نزلت في اليهود والنّصارى ، كفروا بمحمّد بعد إيمانهم بصفته ، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على كفرهم ، قاله أبو العالية. قال الحسن : كلما نزلت آية كفروا بها ، فازدادوا كفرا.
وفي علّة امتناع قبول توبتهم أربعة أقوال : أحدها : أنهم ارتدّوا ، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم ، والكفر في ضمائرهم ، قاله ابن عباس. والثاني : أنهم قوم تابوا من الذنوب في الشّرك ، ولم يتوبوا من الشّرك ، قاله أبو العالية. والثالث : أنّ معناه : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراسانيّ ، والسّدّيّ. والرابع : لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر ، وهو قول مجاهد.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ).
(١٩٢) روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما فتح مكة ، دخل من كان من أصحاب
____________________________________
(١٩٢) باطل. عزاه المصنف لابن عباس من رواية أبي صالح ، ورواية أبي صالح عن الكلبي ، وهذه تعرف بسلسلة الكذب عند العلماء ، وهذا خبر باطل ، فالسورة نزلت قبل فتح مكة بزمن طويل.
__________________
(١) تقدم معناه عن ابن عباس ، ولم أره مسندا بهذا اللفظ عن ابن عباس. وإنما ورد عن مجاهد بأتم منه ، أخرجه الطبري ٧٣٦٥ والواحدي في «الأسباب» ٢٢٦ وهذا مرسل ، لكن يشهد لأصل حديث ابن عباس المتقدم أولا.