الحارث بن سويد حيّا في الإسلام ، فنزلت هذه الآية فيمن مات منهم كافرا.
قال الزجّاج : وملء الشيء : مقدار ما يملؤه. قال سيبويه ، والخليل : والملء بفتح الميم : الفعل ، تقول : ملأت الشيء أملؤه ملأ ، المصدر بالفتح لا غير. والملاءة : التي تلبس ، ممدودة. والملاوة من الدّهر : القطعة الطّويلة منه ، يقولون : ابل جديدا ، وتملّ حبيبا ، أي : عش معه دهرا طويلا. و (ذَهَباً) منصوب على التّمييز. وقال ابن فارس : ربما أنّث الذهب ، فقيل : ذهبة ، ويجمع على الأذهاب.
قوله تعالى : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) قال الفرّاء : الواو هاهنا قد يستغنى عنها ، ولو حذفت كان صوابا ، كقوله تعالى : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (١). قال الزجّاج : هذا غلط ، لأن فائدة الواو بيّنة ، فليست ممّا يلقى. قال النحاس : قال أهل النظر من النحويين في هذه الآية : الواو ليست مقحمة وتقديره : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا تبرعا ولو افتدى به.
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))
قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) ، في البرّ أربعة أقوال : أحدها : أنه الجنّة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسّدّيّ في آخرين. قال ابن جرير : فيكون المعنى : لن تنالوا برّ الله بكم الذي تطلبونه بطاعتكم. والثاني : التقوى ، قاله عطاء ، ومقاتل. والثالث : الطّاعة ، قاله عطيّة. والرابع : الخير الذي يستحق به الأجر ، قاله أبو روق. قال القاضي أبو يعلى : لم يرد نفي الأصل ، وإنما نفي وجود الكمال. فكأنه قال : لن تنالوا البر الكامل.
قوله تعالى : (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ، فيه قولان :
(١٩٣) أحدهما : أنه نفقة العبد من ماله وهو صحيح شحيح ، رواه ابن عمر عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
والثاني : أنه الإنفاق من محبوب المال ، قاله قتادة ، والضّحّاك. وفي المراد بهذه النفقة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها الصّدقة المفروضة ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والضّحّاك. والثاني : أنها جميع الصّدقات ، قاله ابن عمر. والثالث : أنها جميع النفقات التي يبتغى بها وجه الله تعالى ، سواء كانت صدقة ، أو لم تكن ، نقل عن الحسن ، واختاره القاضي أبو يعلى.
(١٩٤) وروى البخاريّ ومسلم في «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك قال : كان أبو طلحة
____________________________________
(١٩٣) لم أره من حديث ابن عمر بعد بحث ، وإنما صح من حديث أبي هريرة ، وقد ساقه المصنف بمعناه.
وحديث أبي هريرة ، أخرجه البخاري ١٤١٩ و ٢٧٤٨ ومسلم ١٠٣٢ وأبو داود ٢٨٦٥ والنسائي ٥ / ٨٦ و ٦ / ٢٣٧ وابن ماجة ٢٧٠٦ وأحمد ٢ / ٢٥ و ٢٣١ و ٤١٥ و ٤٤٧ والبغوي ١٦٧١ من طرق عن أبي هريرة ، قال : أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل ، فقال : يا رسول الله ، أي الصدقة أعظم ؛ قال : «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح. تخشى الفقر وتأمل الغنى ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، ألا وقد كان لفلان».
(١٩٤) صحيح. أخرجه البخاري ١٤٦١ و ٢٣١٨ و ٢٧٥٢ و ٢٧٦٩ و ٤٥٥٤ و ٥٦١١ ومسلم ٩٩٨ وأحمد ٣ / ١٤١ والدارمي ٢ / ٣٩٠ وابن حبان ٣٣٤٠ والبيهقي ٦ / ١٦٤ ـ ١٦٥ و ٢٧٥ ومالك ٢ / ٥٩٥ ـ ٥٩٦
__________________
(١) الأنعام : ٧٥.