قوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) قال بعضهم : معناه : لا يعاقبهم بلا جرم. وقال الزجّاج : أعلمنا أنه يعذّب من عذّبه باستحقاق.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠))
قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) سبب نزولها أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين ، قالا لابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل : ديننا خير مما تدعونا إليه ، ونحن أفضل منكم ، فنزلت هذه الآية (١) ، هذا قول عكرمة ومقاتل.
وفيمن أريد بهذه الآية ، أربعة أقوال : أحدها : أنهم أهل بدر. والثاني : أنهم المهاجرون. والثالث : جميع الصحابة. والرابع : جميع أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، نقلت هذه الأقوال كلها عن ابن عباس.
(٢٠١) وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «إنّكم توفّون سبعين أمة أنتم خيرها ، وأكرمها على الله عزوجل». قال الزجّاج : وأصل الخطاب لأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو يعمّ سائر أمّته.
وفي قوله تعالى : (كُنْتُمْ) ، قولان : أحدهما : أنها على أصلها ، والمراد بها الماضي ، ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن معناه : كنتم في اللوح المحفوظ. والثاني : أن معناه : خلقتم وجدتم. ذكرهما المفسرون. والثالث : أن المعنى : كنتم مذ كنتم ، ذكره ابن الأنباريّ. والثاني : أن معنى كنتم : أنتم ، كقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً*) (٢). ذكره الفرّاء ، والزجّاج. قال ابن قتيبة : وقد يأتي الفعل على بنية الماضي ، وهو راهن ، أو مستقبل ، كقوله تعالى : (كُنْتُمْ) ومعناه : أنتم ، ومثله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) (٣) ، أي : وإذ يقول. ومثله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) (٤) ، أي : سيأتي ، ومثله: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي
____________________________________
(٢٠١) حديث صحيح بشواهده. إسناده حسن للاختلاف المعروف في بهز عن آبائه ، وهي سلسلة الحسن ، وللحديث شواهد ، جد بهز هو معاوية بن حيدة رضي الله عنه. أخرجه الترمذي ٣٠٠١ وابن ماجة ٤٢٨٧ وأحمد ٤ / ٤٤٧ والحاكم ٤ / ٨٤ والطبري ٧٦١٩ والطبراني في «الكبير» ١٩ / ١٠٢٣ و ١٠٣٠ من حديث بهز بن حكيم. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حديث حسن. وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٨٦٤٥ وقال : رواه أحمد ورجاله ثقات.
ـ وأخرج الطبري ٧٦٢١ عن قتادة قال : «ذكر لنا أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم وهو مسند ظهره إلى الكعبة : نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة ، نحن آخرها وخيرها» اه. وللحديث شواهد يتقوى بها إن شاء الله تعالى. ويشهد له ما أخرجه أحمد ٣ / ٦١ (١١١٩٣) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا وإن هذه الأمة توفّي سبعين أمة هي أخيرها وأكرمها على الله عزوجل». وهو حديث حسن ، وسيأتي.
__________________
(١) ضعيف. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢٣٥ عن عكرمة ومقاتل بدون إسناد وأخرجه الطبري ٧٦٠٧ عن عكرمة مرسلا مختصرا.
(٢) سورة النساء : ٩٦.
(٣) سورة المائدة : ١١٦.
(٤) سورة النحل : ١.