الْمَهْدِ) (١) ، أي : من هو في المهد ، ومثله : (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (٢) أي : والله سميع بصير ، ومثله : (فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ) (٣) أي : فنسوقه.
وفي قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قولان : أحدهما : أن معناه : كنتم خير النّاس للنّاس. قال أبو هريرة : يأتون بهم في السّلاسل حتى يدخلوهم في الإسلام. والثاني : أن معناه : كنتم خير الأمم التي أخرجت.
وفي قوله تعالى : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) قولان : أحدهما : أنه شرط في الخيريّة ، وهذا المعنى مروي عن عمر بن الخطّاب ، ومجاهد ، والزجّاج. والثاني : أنه ثناء من الله عليهم ، قاله الرّبيع بن أنس. قال أبو العالية : والمعروف : التّوحيد. والمنكر : الشّرك. قال ابن عباس : وأهل الكتاب : النّصارى واليهود.
قوله تعالى : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ) : من أسلم ، كعبد الله بن سلام وأصحابه. (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) يعني : الكافرين ، وهم الذين لم يسلموا.
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١))
قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) قال مقاتل : سبب نزولها أن رؤساء اليهود عمدوا إلى عبد الله بن سلّام وأصحابه فآذوهم لإسلامهم ، فنزلت هذه الآية (٤). قال ابن عباس : والأذى قولهم : «عزير ابن الله» و «المسيح ابن الله» و «ثالث ثلاثة». وقال الحسن : هو الكذب على الله ، ودعاؤهم المسلمين إلى الضلالة. وقال الزجاج : هو البهت والتحريف. ومقصود الآية إعلام المسلمين بأنّه لن ينالهم منهم إلا الأذى باللسان من دعائهم إيّاهم إلى الضّلال ، وإسماعهم الكفر ، ثم وعدهم النّصر عليهم في قوله : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) ، وكذلك كان.
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢))
قوله تعالى : (أَيْنَ ما ثُقِفُوا) معناه : أدركوا ووجدوا ، وذلك أنهم أين نزلوا احتاجوا إلى عهد من أهل المكان ، وأداء جزية. قال الحسن : أدركتهم هذه الأمة ، وإنّ المجوس لتجبيهم الجزية. وأمّا الحبل ، فقال ابن عباس ، وعطاء ، والضّحّاك ، وقتادة ، والسّدّيّ ، وابن زيد : الحبل : العهد ، قال بعضهم : ومعنى الكلام : إلا بعهد يأخذونه من المؤمنين بإذن الله. قال الزجّاج : وما بعد الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) ليس من الأوّل ، وإنما المعنى : أنهم أذلّاء ، إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه. وقد سبق في «البقرة» تفسير باقي الآية.
__________________
(١) سورة مريم : ٢٩.
(٢) سورة النساء : ٣٤.
(٣) سورة فاطر : ٩.
(٤) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ابن سليمان حيثما أطلق ، وهو متروك متهم بالكذب ، فخبره لا شيء.