(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣))
قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً) ، في سبب نزولها قولان :
(٢٠٢) أحدهما : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، احتبس عن صلاة العشاء ليلة حتى ذهب ثلث الليل ، ثم جاء فبشّرهم ، فقال : «إنّه لا يصلّي هذه الصّلاة أحد من أهل الكتاب» ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن مسعود. والثاني : أنه لمّا أسلم ابن سلام في جماعة من اليهود ، قال أحبارهم : ما آمن بمحمّد إلا أشرارنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس ، ومقاتل.
وفي معنى الآية قولان : أحدهما : ليس أمّة محمّد واليهود سواء ، هذا قول ابن مسعود ، والسّدّيّ. والثاني : ليس اليهود كلّهم سواء ، بل فيهم من هو قائم بأمر الله ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة. وقال الزجّاج : الوقف التّامّ (لَيْسُوا سَواءً) أي : أهل الكتاب متساوين.
وفي معنى «قائمة» ثلاثة أقوال : أحدها : أنها الثّابتة على أمر الله ، قاله ابن عباس ، وقتادة. والثاني : أنها العادلة ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وابن جريج. والثالث : أنها المستقيمة ، قاله أبو عبيد ، والزجاج. قال الفرّاء : ذكر أمّة واحدة ولم يذكر بعدها أخرى ، والكلام مبنيّ على أخرى ، لأن «سواء» لا بدّ لها من اثنين ، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشّيئين إذا كان في الكلام دليل عليه ، قال أبو ذؤيب :
عصيت إليها القلب إنّي لأمره |
|
سميع فما أدري أرشد طلابها؟! |
ولم يقل : أم لا ، ولا أم غيّ ، لأنّ الكلام معروف المعنى. وقال آخر (١) :
وما أدري إذا يمّمت أرضا |
|
أريد الخير أيّهما يليني |
أالخير الذي أنا أبتغيه |
|
أم الشّرّ الذي هو يبتغيني |
ومثله قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) ولم يذكر ضدّه ، لأن في قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) ، دليلا على ما أضمر من ذلك ، وقد ردّ هذا القول الزجّاج ، فقال : قد جرى ذكر أهل الكتاب في قوله تعالى : (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) فأعلم الله أنّ منهم أمة قائمة. فما الحاجة إلى أن يقال : وأمّة غير قائمة؟ وإنما بدأ بذكر فعل الأكثر منهم ، وهو الكفر والمشاقّة ، فذكر من كان منهم مباينا لهؤلاء. قال : و (آناءَ اللَّيْلِ) ساعاته ، وواحد
____________________________________
(٢٠٢) حسن. أخرجه النسائي في «التفسير» ٩٣ وأحمد ١ / ٣٩٦ وأبو يعلى ٥٣٠٦ وابن حبان ١٥٣٠ والبزار ٣٧٥ «كشف» والواحدي في «أسباب النزول» ٢٣٨ من حديث ابن مسعود ، وإسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النجود ، وحسنه السيوطي في «الدر» ٢ / ٦٥ وكما نقل الشوكاني في «فتح القدير» ١ / ٤٣٠ ووافقه ، وله شاهد من حديث عائشة ، أخرجه البخاري ٥٦٦ ومسلم ٦٣٨. وشاهد آخر من حديث ابن عمر أخرجه البخاري ٥٦٤ ومسلم ٦٣٩ وليس فيهما نزول الآية. فالحديث حسن بتمامه ، وأصله صحيح بشواهده ، والله أعلم.
__________________
(١) هو المثقّب العبدي ـ عائذ بن محصن ، والبيت من قصيدة جيدة في المفضّليات.
(٢) سورة الزمر : ٩.