الحسن أيضا. قال ابن جرير : والأوّل أصحّ ، لقوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) وقد اتّفق العلماء أن ذلك كان يوم أحد.
قوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قال أبو سليمان الدّمشقيّ : سميع لمشاورتك إيّاهم في الخروج ، ومرادهم للخروج ؛ عليم بما يخفون من حبّ الشهادة.
(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢))
قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ) قال الزجاج : كانت التبوئة في ذلك الوقت. وتفشلا : تجبنا ، وتخورا. (وَاللهُ وَلِيُّهُما) ، أي : ناصرهما. قال جابر بن عبد الله :
(٢٠٣) نحن هم بنو سلمة ، وبنو حارثة ، وما نحبّ أن لو لم يكن ذلك لقول الله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما). وقال الحسن : هما طائفتان من الأنصار همّتا بذلك ، فعصمهما الله. وقيل : لمّا رجع عبد الله بن أبيّ في أصحابه يوم أحد ، همّت الطّائفتان باتّباعه ، فعصمهما الله.
فصل : فأما التّوكل ، فقال ابن عباس : هو الثّقة بالله. وقال ابن فارس : هو إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك ، ويقال : فلان وكلة تكلة ، أي : عاجز ، يكل أمره إلى غيره. وقال غيره : هو تفعّل من الوكالة ، يقال : وكلت أمري إلى فلان فتوكّل به ، أي : ضمنه ، وقام به ، وأنا متوكّل عليه. وقال بعضهم : هو تفويض الأمر إلى الله ثقة بحسن تدبيره.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) في تسمية بدر قولان : أحدهما : أنها بئر لرجل اسمه بدر ، قاله الشّعبيّ. والثاني : أنه اسم للمكان الذي التقوا عليه ، ذكره الواقديّ عن أشياخه.
قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) أي لقلّة العدد والعدد (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لتكونوا من الشّاكرين.
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤))
قوله تعالى : (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) قال الشّعبيّ : قال كرز بن جابر لمشركي مكّة : إني أمدّكم بقومي ، فاشتدّ ذلك على المسلمين ، فنزلت هذه الآية. وفي أيّ يوم كان ذلك؟ فيه قولان : أحدهما : يوم بدر ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ومجاهد ، وقتادة. والثاني : يوم أحد ، وعدهم فيه بالمدد إن صبروا ، فلمّا لم يصبروا لم يمدّوا ، روي عن عكرمة ، والضّحّاك ، ومقاتل. والأوّل أصحّ. والكفاية : مقدار سدّ الخلّة. والاكتفاء : الاقتصار على ذلك. والإمداد : إعطاء الشيء بعد الشيء.
قوله تعالى : (مُنْزَلِينَ) قرأ الأكثرون بتخفيف الزاي ، وشدّدها ابن عامر.
____________________________________
(٢٠٣) صحيح. أخرجه البخاري ٤٥٥٨ ومسلم ٢٥٠٥ والطبري ٧٧٢٧ من حديث جابر.
تنبيه : في هذا ردّ على الرافضة الذين اختصوا عليا وحده بالولاية. والآية نزلت في الأنصار بالاتفاق ، وهؤلاء كلهم أولياء الله ، والله وليهم ، إنه نعم المولى ونعم النصير.