(بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥))
قوله تعالى : (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) فيه قولان : أحدهما : أنّ معناه : من وجههم وسفرهم هذا ، قاله ابن عباس والحسن ، وقتادة ومقاتل ، والزجّاج. والثاني : من غضبهم هذا ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، والضّحّاك في آخرين. قال ابن جرير : من قال : من وجههم ، أراد ابتداء مخرجهم يوم بدر ، ومن قال : من غضبهم أراد ابتداء غضبهم لقتلاهم يوم بدر. وأصل الفور ابتداء الأمر يؤخذ فيه ، يقال : فارت القدر : إذ ابتداء ما فيها بالغليان ، ثمّ اتّصل. وقال ابن فارس : الفور : الغليان ، يقال : فارت القدر تفور ، وفار غضبه : إذا جاش ، ويقولون : فعله من فوره ، أي : قبل أن يسكن. وفي يوم فورهم قولان : أحدهما : أنه يوم بدر ، قاله قتادة. والثاني : يوم أحد ، قال مجاهد ، والضّحّاك : كانوا غضبوا يوم أحد ليوم بدر ممّا لقوا.
قوله تعالى : (مُسَوِّمِينَ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم بكسر الواو ، والباقون بفتحها ، فمن فتح الواو ، أراد أن الله سوّمها ، ومن كسرها ، أراد أن الملائكة سوّمت أنفسها. وقال الأخفش : سوّمت خيلها. وفي الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال يوم بدر :
(٢٠٤) «سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت» ونسب الفعل إليها ، فهذا دليل الكسر.
قال ابن قتيبة : ومعنى مسوّمين : معلّمين بعلامة الحرب ، وهو من السّيماء ، والسّومة : العلامة التي يعلّم بها الفارس نفسه. قال عليّ عليهالسلام : وكان سيماء خيل الملائكة يوم بدر ، الصّوف الأبيض في أذنابها ونواصيها. وقال أبو هريرة : العهن الأحمر. وقال مجاهد : كانت أذناب خيولهم مجزوزة ، وفيها العهن. وقال هشام بن عروة : كانت الملائكة على خيل بلق ، وعليهم عمائم صفر.
(٢٠٥) وروى ابن عباس عن رجل من بني غفار قال : حضرت أنا وابن عمّ لي بدرا ، ونحن على شركنا ، فأقبلت سحابة ، فلما دنت من الجبل سمعنا فيها حمحمة الخيل ، وسمعنا فارسا يقول : أقدم حيزوم ، فأمّا صاحبي فمات مكانه ، وأما أنا فكدت أهلك ، ثمّ انتعشت.
(٢٠٦) وقال أبو داود المازني : إني لأتبع يوم بدر رجلا من المشركين لأضربه ، فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنّ غيري قد قتله.
____________________________________
(٢٠٤) ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة ١٤ / ٢٥٨ والطبري ٧٧٧٥ عن عمير بن إسحاق قال : إن أول ما كان الصوف يومئذ ـ يعني بدر ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تسوّموا فإن الملائكة قد تسوّمت» ، وهذا مرسل والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.
(٢٠٥) ضعيف. أخرجه الطبري ٧٧٤٨ من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أنه حدّث عن ابن عباس ...
فذكره. وإسناده ضعيف ، لجهالة المحدث لعبد الله.
(٢٠٦) صحيح. أخرجه الطبري ٧٧٥٠ من طريق ابن إسحاق عن أبيه إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن عن أبي داود المازني به. وإسناده ضعيف ، في الإسناد من لم يسمّ. وذكره ابن هشام في «السيرة» ٢ / ٢٧٤ وكذا الحافظ في «الإصابة» ٤ / ٥٨. وله شاهد من حديث ابن عباس ، أخرجه مسلم ١٧٦٣ بهذا السياق في أثناء حديث طويل ، فالخبر صحيح إن شاء الله.