فقالت : سبحان الله خنت أمانتك ، وعصيت ربك ولم تصب حاجتك ، قال : فخرج يسيح في الجبال ، ويتوب إلى الله من ذنبه. فلما قدم الثّقفيّ أخبرته المرأة بفعله ، فخرج يطلبه حتى دل عليه ، فندم على صنيعه ، فوافقه ساجدا يقول : ذنبي ذنبي ، قد خنت أخي. فقال له : يا فلان انطلق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاسأله عن ذنبك ، لعلّ الله أن يجعل لك منه مخرجا ، فرجع إلى المدينة ، فنزلت هذه الآية بتوبته ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وذكره مقاتل.
(٢١٦) والثالث : أن المسلمين قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : بنو إسرائيل أكرم على الله منّا! كان أحدهم إذا أذنب ، أصبحت كفارة ذنوبه مكتوبة في عتبة بابه ، فنزلت هذه الآية ، فقال النبيّ عليهالسلام : «ألا أخبركم بخير من ذلك»؟ فقرأ هذه الآية ، والتي قبلها ، هذا قول عطاء.
واختلفوا هل هذه الآية نعت للمنفقين في السّرّاء والضّرّاء؟ أم لقوم آخرين؟ على قولين : أحدهما : أنها نعت لهم ، قاله الحسن. والثاني : أنها لصنف آخر ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
والفاحشة : القبيحة ، وكل شيء جاوز قدره فهو فاحش. وفي المراد بها هاهنا قولان : أحدهما : أنها الزّنى ، قاله جابر بن زيد ، والسّدّيّ ، ومقاتل. والثاني : أنها كلّ كبيرة ، قاله جماعة من المفسرين. واختلفوا في «الظّلم» المذكور بعدها ، فلم يفرّق قوم بينه وبين الفاحشة ، وقالوا : الظّلم للنّفس فاحشة أيضا ، وفرّق آخرون ، فقالوا : هو الصّغائر.
وفي قوله تعالى : (ذَكَرُوا اللهَ) قولان : أحدهما : أنه ذكر اللسان ، وهو الاستغفار ، قاله ابن مسعود ، وعطاء في آخرين. والثاني : أنه ذكر القلب ، ثم فيه خمسة أقوال : أحدها : أنه ذكر العرض على الله ، قاله الضّحّاك. والثاني : أنه ذكر السّؤال عنه يوم القيامة ، قاله الواقديّ. والثالث : ذكر وعيد الله لهم على ما أتوا ، قاله ابن جرير. والرابع : ذكر نهي الله لهم عنه. والخامس : ذكر غفران الله ؛ ذكر القولين أبو سليمان الدّمشقيّ.
فأما الإصرار ، فقال الزجّاج : هو الإقامة على الشيء. وقال ابن فارس : هو العزم على الشيء والثّبات عليه. وللمفسرين في المراد بالإصرار ثلاثة أقوال : أحدها : أنه مواقعة الذّنب عند الاهتمام به. وهذا مذهب مجاهد. والثاني : أنه الثّبوت عليه من غير استغفار ، وهذا مذهب قتادة ، وابن إسحاق. والثالث : أنه ترك الاستغفار منه ، وهذا مذهب السّدّيّ.
وفي معنى (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ثلاثة أقوال : أحدها : وهم يعلمون أنّ الإصرار يضرّ ، وأنّ تركه أولى من التّمادي ، قاله ابن عباس ، والحسن. والثاني : يعلمون أنّ الله يتوب على من تاب ، قاله مجاهد ، وأبو عمارة. والثالث : يعلمون أنهم قد أذنبوا ، قاله السّدّيّ ، ومقاتل.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧))
قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) السّنن : جمع سنّة ، وهي الطّريقة. وفي معنى الكلام قولان : أحدهما : قد مضى قبلكم أهل سنن وشرائع ، فانظروا ما ذا صنعنا بالمكذّبين منهم ، وهذا قول
____________________________________
(٢١٦) ضعيف. أخرجه الواحدي ٢٤٩ في «الأسباب» عن عطاء مرسلا ، فهو حديث ضعيف.