قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) قال ابن عباس : لمّا أخبرهم الله تعالى على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، بما فعل بشهداء يوم بدر من الكرامة ، رغبوا في ذلك ، فتمنّوا قتالا يستشهدون فيه ، فيلحقون بإخوانهم ، فأراهم الله يوم أحد ، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم ، فنزل فيهم (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) يعني القتال (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) أي : من قبل أن تنظروا إليه يوم أحد (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) يومئذ ، قال الفرّاء ، وابن قتيبة : أي : رأيتم أسبابه ، وهي السّيف ونحوه من السّلاح. وفي معنى (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ثلاثة أقوال : أحدها : تنظرون إلى السّيوف ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه ذكر للتوكيد ، قاله الأخفش. وقال الزجّاج : معناه : فقد رأيتموه ، وأنتم بصراء ، كما تقول : رأيت كذا وكذا ، وليس في عينك علّة ، أي : رأيته رؤية حقيقية. والثالث : أن معناه : وأنتم تنظرون ما تمنّيتم. وفي الآية إضمار ، أي : فقد رأيتموه فلم انهزمتم!؟
(وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤))
قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ). قال ابن عباس :
(٢١٩) صاح الشّيطان يوم أحد : قتل محمّد. فقال قوم : لئن كان قتل لنعطينّهم بأيدينا إنهم لعشائرنا وإخواننا ، ولو كان محمّد حيّا لم نهزم ، فترخّصوا في الفرار ، فنزلت هذه الآية.
وقال الضّحّاك : قال قوم من المنافقين : قتل محمّد ، فالحقوا بدينكم الأوّل ، فنزلت هذه الآية. وقال قتادة : قال أناس : لو كان نبيّا ما قتل ، وقال ناس من علية أصحاب رسول الله : قاتلوا على ما قاتل عليه نبيّكم حتى تلحقوا به ، فنزلت هذه الآية. ومعنى الآية : أنّه يموت كما ماتت قبله الرّسل ، أفإن مات على فراشه ، أو قتل كمن قتل قبله من الأنبياء ، أتنقلبون على أعقابكم؟! أي : ترجعون إلى ما كنتم عليه من الكفر؟! وهذا على سبيل المثل ، يقال لكل من رجع عمّا كان عليه : قد انقلب على عقبيه ، وأصله : رجعة القهقرى ، والعقب : مؤخّر القدم.
وقوله تعالى : (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) أي : لن ينقص الله شيئا برجوعه ، وإنما يضرّ نفسه (وَسَيَجْزِي) أي : يثيب (الشَّاكِرِينَ) ، وفيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم الثّابتون على دينهم ، قاله عليّ عليهالسلام ، وقال : كان أبو بكر أمير الشّاكرين. والثاني : أنهم الشّاكرون على التوفيق والهداية. والثالث : على الدّين.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥))
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) في الإذن قولان :
____________________________________
(٢١٩) ضعيف جدا. ذكره الواحدي في «أسبابه» ٢٥٢ وعبد بن حميد وابن المنذر كما في «الدر» ٢ / ١٤٤ ـ آل عمران : ١٤٤ ـ عن عطية العوفي ، وعطية واه. وأخرجه الطبري ٧٩٤٨ عن عطية عن ابن عباس ، وإسناده واه لأجل عطية ، وعنه مجاهيل. وانظر «تفسير القرطبي» ١٨٤٧ بتخريجنا.