فأمّا المسّ ، فهو الإصابة ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع «قرح» بفتح القاف. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وأبو بكر ، عن عاصم «قرح» بضم القاف. واختلفوا هل معنى القراءتين واحد أم لا؟ فقال أبو عبيد : القرح بالفتح : الجراح ، والقتل. والقرح بالضّمّ : ألم الجراح. وقال الزجّاج : هما في اللغة بمعنى واحد ، ومعناه : الجراح وألمها ، قال : ومعنى نداولها : أي : نجعل الدّولة في وقت للكفّار على المؤمنين إذا عصى المؤمنون ، فأمّا إذا أطاعوا ، فهم منصورون ، قال : ومعنى (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) أي : ليعلم واقعا منهم ، لأنّه عالم قبل ذلك ، وإنما يجازي على ما وقع. وقال ابن عباس : معنى العلم هاهنا : الرّؤية.
قوله تعالى : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) قال أبو الضّحى : نزلت في قتلى أحد ، قال ابن جريج : كان المسلمون يقولون : ربّنا أرنا يوما كيوم بدر ، نلتمس فيه الشّهادة ، فاتّخذ منهم شهداء يوم أحد. قال ابن عباس : والظّالمون هاهنا : المنافقون. وقال غيره : هم الذين انصرفوا يوم أحد مع ابن أبيّ المنافق.
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١))
قوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) قال الزجاج : معنى الكلام : جعل الله الأيام مداولة بين الناس ، ليمحّص المؤمنين ، ويمحق الكافرين. وفي التّمحيص قولان :
أحدهما : أنه الابتلاء والاختبار ، وأنشدوا (١) :
رأيت فضيلا كان شيئا ملفّفا |
|
فكشّفه التّمحيص حتى بدا ليا |
وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، والسّدّيّ ، ومقاتل ، وابن قتيبة في آخرين.
والثاني : أنه التّنقية ، والتّخليص ، وهو قول الزجّاج ، وحكي عن المبرّد ، قال : يقال : محص الحبل محصا : إذا ذهب منه الوبر حتى يتخلّص ، ومعنى قوله : اللهم محّص عنا ذنوبنا : أذهبها عنا. وذكر الزجّاج عن الخليل أن المحص : التّخليص ، يقال : محّصت الشيء أمحّصه محصا : إذا أخلصته. فعلى القول الأول التّمحيص : ابتلاء المؤمنين بما يجري عليهم ، وعلى الثاني : هو تنقيتهم من الذّنوب بذلك. قال الفرّاء : معنى الآية : وليمحّص الله بالذّنوب عن الذين آمنوا.
قوله تعالى : (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) فيه أربعة أقوال : أحدها : يهلكهم ، قاله ابن عباس. والثاني : يذهب دعوتهم ، قاله مقاتل. والثالث : ينقصهم ويقلّلهم ، قاله الفرّاء. والرابع : يحبط أعمالهم ، ذكره الزجّاج.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣))
____________________________________
وأخرجه ابن المنذر من طريق ابن جريج كما في «الدر المنثور» ٢ / ١٤١ عن ابن عباس قال : نام المسلمون وبهم الكلوم ـ يعني يوم أحد ـ قال عكرمة : وفيهم أنزلت الآية. والآية (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) النساء : ١٠٤. وهو ضعيف ، ابن جريج عن عكرمة منقطع.
__________________
(١) البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر كما في «الكامل» ١ / ١٨٣.