النّصر بأحد ، فنصرهم فلمّا خالفوا ، وطلبوا الغنيمة ، هزموا.
(٢٢٢) وقال ابن عباس : ما نصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في موطن ما نصر في أحد ، فأنكر ذلك عليه ، فقال : بيني وبينكم كتاب الله ، إنّ الله يقول : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ). فأمّا الحسّ ، فهو القتل ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والسّدّيّ ، والجماعة. وقال ابن قتيبة :
تحسّونهم ، أي تستأصلونهم بالقتل ، يقال : سنة حسوس : إذا أتت على كلّ شيء ، وجراد محسوس : إذا قتله البرد.
وفي قوله تعالى : (بِإِذْنِهِ) ثلاثة أقوال : أحدها : بأمره ، قاله ابن عباس. والثاني : بعلمه ، قاله الزجّاج. والثالث : بقضائه ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) قال الزجّاج : أي : جبنتم (وَتَنازَعْتُمْ) أي : اختلفتم (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) يعني : النّصرة. وقال الفرّاء : فيه تقديم وتأخير ، معناه : حتى إذا تنازعتم في الأمر ، فشلتم وعصيتم ، وهذه الواو زائدة ، كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ) (١) معناه : ناديناه.
(٢٢٣) فأما تنازعهم ، فإنّ بعض الرّماة قال : قد انهزم المشركون ، فما يمنعنا من الغنيمة؟ وقال بعضهم : بل نثبت مكاننا كما أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فترك المركز بعضهم ، وطلب الغنيمة ، وتركوا مكانهم ، فذلك عصيانهم ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم قد أوصاهم : «لو رأيتم الطّير تخطّفنا فلا تبرحوا من مكانكم».
قوله تعالى : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) قال المفسرون : هم الذين طلبوا الغنيمة ، وتركوا مكانهم (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم الذين ثبتوا. وقال ابن مسعود : ما كنت أظنّ أحدا من
____________________________________
(٢٢٢) أخرجه أحمد ٢٦٠٩ والحاكم ٢ / ٢٩٦ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ٢٦٩ و ٢٧٠ عن ابن عباس به ، وأتم ، صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وإسناده لين لأجل عبد الرحمن بن أبي الزناد ، فهو غير قوي ، ومقصد ابن عباس هو في بداية المعركة كما هو ظاهر في رواية الحاكم ، فللخبر تتمة توضح ذلك.
(٢٢٣) هو بعض الحديث المتقدم عن ابن عباس.
ـ وله شاهد صحيح : أخرجه البخاري ٣٠٣٩ و ٤٠٤٣ وأبو داود ٢٦٦٢ والنسائي في «الكبرى» ١١٠٧٩ والطيالسي ٧٢٥ وأحمد ٤ / ٢٩٣ وابن سعد في «الطبقات» ٢ / ٤٧ وابن حبان ٤٧٣٨ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ من طرق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : «جعل النبي على الرّجالة يوم أحد ـ وكانوا خمسين رجلا ـ عبد الله بن جبير فقال : «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم». فهزموهم. قال : فأنا والله رأيت النساء يشددن ، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم ، فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع النبي صلىاللهعليهوسلم غير اثني عشر رجلا ، فأصابوا منا سبعين ، وكان أصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين أسيرا وسبعين قتيلا .....». واللفظ للبخاري.
__________________
(١) سورة الصافات : ١٠٣ ـ ١٠٤.