أصحاب محمّد يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية.
قوله تعالى : (صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) أي : ردّكم عن المشركين بقتلكم وهزيمتكم. (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي : ليختبركم ، فيبيّن الصّابر من الجازع.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) فيه قولان : أحدهما : عفا عن عقوبتكم ، قاله ابن عباس. والثاني : عفا عن استئصالكم ، قاله الحسن. وكان يقول : هؤلاء مع رسول الله ، في سبيل الله غضاب لله ، يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فضيّعوه ، فما تركوا حتى غمّوا بهذا الغمّ ، والفاسق اليوم يتجرّم كلّ كبيرة ويركب كلّ داهية ، ويزعم أن لا بأس عليه ، فسوف يعلم.
قوله تعالى : (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فيه قولان : أحدهما : إذا عفا عنهم ، قاله ابن عباس. والثاني : إذ لم يقتلوا جميعا ، قاله مقاتل.
(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣))
قوله تعالى : (إِذْ تُصْعِدُونَ) قال المفسرون : «إذ» متعلّقة بقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) وأكثر القرّاء على ضمّ التاء ، وكسر العين ، من قوله تعالى : «تصعدون» وهو من الإصعاد. وروى أبان عن ثعلب ، عن عاصم فتحهما ، وهي قراءة الحسن ، ومجاهد ، وهو من الصّعود. قال الفرّاء : الإصعاد في ابتداء الأسفار ، والمخارج ، تقول : أصعدنا من بغداد إلى خراسان ، فإذا صعدت على سلّم أو درجة ، قلت : صعدت ، ولا تقول : أصعدت. وقال الزجّاج : كلّ من ابتدأ مسيرا من مكان ، فقد أصعد ، فأما الصّعود ، فهو من أسفل إلى فوق ، قال ومن فتح التاء والعين ، أراد الصّعود في الجبل. وللمفسرين في معنى الآية قولان : أحدهما : أنه صعودهم في الجبل ، قاله ابن عباس ومجاهد. والثاني : أنه الإبعاد في الهزيمة ، قاله قتادة ، وابن قتيبة.
و (تَلْوُونَ) بمعنى : تعرّجون. وقوله تعالى : (عَلى أَحَدٍ) عامّ.
(٢٢٤) وقد روي عن ابن عباس أنه أريد به النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال : والنبيّ صلىاللهعليهوسلم يناديهم من خلفهم : «إليّ عباد الله ، أنا رسول الله».
وقرأت عائشة وأبو مجلز وأبو الجوزاء وحميد «على أحد» بضم الألف والحاء ، يعنون الجبل.
قوله تعالى : (فَأَثابَكُمْ) أي : جازاكم. قال الفرّاء : الإثابة هاهنا بمعنى عقاب ، ولكنه كما قال الشاعر (١) :
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه |
|
أداهم سودا أو محدرجة سمرا |
____________________________________
(٢٢٤) أخرجه الطبري ٨٠٥٣ عن ابن عباس ، وإسناده ضعيف لانقطاعه ، ابن جريج لم يدرك ابن عباس. وأخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن مرسلا كما في «الدر» ٢ / ٥٤ ـ آل عمران : ١٥٣. وأخرجه الطبري أيضا ٨٠٤٨ عن قتادة مرسلا. فهذه الروايات تتأيد بمجموعها.
__________________
(١) هو الفرزدق ، كما في «اللسان» ـ حدرج ـ وحدرج السوط : أحكم فتله حتى استوى.