الفظاظة والغلظ ـ وإن كانا بمعنى واحد ـ توكيدا. وقال ابن عباس : الفظّ : في القول ، والغليظ القلب : في الفعل.
قوله تعالى : (لَانْفَضُّوا) أي : تفرّقوا. وتقول : فضضت عن الكتاب ختمه : إذا فرّقته عنه. (فَاعْفُ عَنْهُمْ) أي : تجاوز عن هفواتهم ، وسل الله المغفرة لذنوبهم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) معناه : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم. ويقال : إنه من : شرت العسل. وأنشدوا (١) :
وقاسمها بالله حقّا لأنتم |
|
ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها |
قال الزجّاج : يقال : شاورت الرجل مشاورة وشورا ، وما يكون عن ذلك اسمه المشورة وبعضهم يقول : المشورة. ويقال : فلان حسن الصّورة والشّورة ، أي : حسن الهيئة واللباس. ومعنى قولهم : شاورت فلانا ، أظهرت ما عنده وما عندي. وشرت الدّابة : إذا امتحنتها. فعرفت هيئتها في سيرها.
وشرت العسل : إذا أخذته من مواضع النّحل. وعسل مشار. قال الأعشى :
كأنّ القرنفل والزّنجبيل |
|
باتا بفيها وأريا مشارا |
والأري : العسل. واختلف العلماء لأي معنى أمر الله نبيّه بمشاورة أصحابه مع كونه كامل الرأي ، تامّ التّدبير ، على ثلاثة أقوال : أحدها : ليستنّ به من بعده ، وهذا قول الحسن ، وسفيان بن عيينة. والثاني : لتطيب قلوبهم ، وهو قول قتادة ، والرّبيع ، وابن إسحاق ، ومقاتل. قال الشّافعيّ رضي الله عنه : نظير هذا قوله عليهالسلام :
(٢٢٧) «البكر تستأمر في نفسها» ، إنما أراد استطابة نفسها ، فإنها لو كرهت ، كان للأب أن يزوّجها ، وكذلك مشاورة إبراهيم عليهالسلام لابنه حين أمر بذبحه.
والثالث : للإعلام ببركة المشاورة ، وهو قول الضّحّاك.
ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره ، علم أن امتناع النجاح محض قدر ، فلم يلم نفسه ، ومنها أنه قد يعزم على أمر ، فيبين له الصّواب في قول غيره ، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال عليّ عليهالسلام : الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من استغنى برأيه ، والتّدبير قبل العمل يؤمّنك من النّدم. وقال بعض الحكماء : ما استنبط الصّواب بمثل المشاورة ، ولا حصنت النّعم بمثل المواساة ، ولا اكتسب البغضاء بمثل الكبر. واعلم أنه إنّما أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بمشاورة أصحابه فيما لم يأته فيه وحي ، وعمّهم بالذّكر ، والمقصود أرباب الفضل والتّجارب منهم.
وفي الذي أمر بمشاورتهم فيه قولان ، حكاهما القاضي أبو يعلى : أحدهما : أنه أمر الدّنيا خاصّة. والثاني : أمر الدّين والدّنيا ، وهو أصحّ.
____________________________________
(٢٢٧) صحيح. أخرجه مسلم ١٤٢١ وأبو داود ٢٠٩٩ والنسائي ٦ / ٨٥ والدارقطني ٣ / ٢٤٠ و ٢٤٠ ـ ٢٤١ والطبراني ١٠ / ١٠٧٤٥ و ٤٠٨٤ و ٤٠٨٧ و ٤٠٨٩ وابن حبان ٤٠٨٨ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر يستأمرها أبوها في نفسها ، وإذنها صماتها».
__________________
(١) البيت لخالد بن زهير «ديوان الهذليين» ١ / ١٥٨.