(٢٣٤) قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما فذكر الغلول ، فعظّمه ، وعظم أمره ، ثم قال : «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك. لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك». الرّغاء : صوت البعير ، والثّغاء : صوت الشّاة ، والنّفس : ما يغلّ من السّبي ، والرّقاع : الثّياب ، والصّامت : المال.
والقول الثاني : أنّه يأتي حاملا إثم ما غلّ. والثالث : أنه يردّ عوض ما غلّ من حسناته. والقول الأوّل أصحّ لمكان الأثر الصّحيح.
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢))
قوله تعالى : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) اختلفوا في معنى هذه الآية على قولين :
أحدهما : أن معناها : أفمن اتّبع رضوان الله ، فلم يغلّ ، (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) حين غلّ؟! هذا قول سعيد بن جبير ، والضّحّاك ، والجمهور.
والثاني : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا أمر المسلمين باتّباعه يوم أحد ، اتّبعه المؤمنون ، وتخلّف جماعة من المنافقين ، فأخبر الله بحال من تبعه ، ومن تخلّف عنه ، هذا قول الزجّاج.
(هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣))
قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ) ، قال الزجّاج : معناه : هم ذوو درجات. وفي معنى درجات قولان : أحدهما : أنّها درجات الجنة ، قاله الحسن. والثاني : أنها فضائلهم ، فبعضهم أفضل من بعض ، قاله الفرّاء ، وابن قتيبة. وفيمن عنى بهذا الكلام قولان : أحدهما : أنهم الذين اتّبعوا رضوان الله ، والذين باؤوا بسخط من الله ، فلمن اتّبع رضوانه الثّواب ، ولمن باء بسخطه العذاب ، هذا قول ابن عباس. والثاني : أنهم الذين اتّبعوا رضوان الله فقط ، فإنّهم يتفاوتون في المنازل ، هذا قول سعيد بن جبير ، وأبي صالح ، ومقاتل.
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤))
____________________________________
(٢٣٤) صحيح. أخرجه البخاري ٣٠٧٣ ومسلم ١٨٣١ وابن حبان ٤٨٤٧ و ٤٨٤٨ والطبري ٨١٥٥ و ٨١٥٦ وأحمد ٢ / ٤٢٦ من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة.